قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} يعني: من الضلالة {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (٥٣)} يعني التوراة {هُدًى وَذِكْرَى}؛ أي: هو هدًى وتذكيرٌ {لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٥٤)}؛ أي: لأهل العقول والبصائر، وقيل:{هُدًى} في موضع نصبٍ على الحال، أي: هادِيًا، {وَذِكْرَى} عطفٌ عليه، وإن شئت قلت: هو نصبٌ على القطع من الكتاب.
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} شرطٌ وجزاءٌ؛ أي: وَحِّدُونِي واعبدونِي دون يخري أُثِبْكُمْ وأغْفِرْ لكم {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} يعني: عن توحيدي وطاعتي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} يعني: صاغرين ذليلين، وهو نصبٌ على الحال، وقد مضى نظيره في سورة النمل (١).
قرأ ابن كثيرٍ وأبو جعفرٍ وأبو حاتمٍ:"سَيُدْخَلُونَ" بضم الياء وفتح الخاء على ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، واختُلِفَ فيه عن أبِي عمرٍو وعاصمٍ، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الخاء على تسمية الفاعل (٢).
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} يعني: لتستقروا فيه من النَّصَبِ {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} لابتغاء الرزق، و {جَعَلَ} هاهنا بمعنى خَلَقَ، والعرب تفرق بين {جَعَلَ} إذا كانت بمعنى "خَلَقَ"، وبين {جَعَلَ} إذا لَمْ يكن بمعنى "خلق"، ولا تُعَدِّيها إلَّا فِي مفعولٍ واحدٍ إذا كانت بمعنى "خَلَقَ"، وإذا لَمْ تكن بمعنى "خَلَقَ" عَدَّتْها إلى مفعولين كقوله
(١) الآية ٨٧، وانظر ما سبق ١/ ٤٧١. (٢) قرأ ابنُ كثير، وعاصمٌ في رواية أبِي بكر والمفضلِ عنه، وأبو عمرو في رواية عباسِ بن الفضل عنه، وأبو جعفر ورُويْسٌ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ وابنُ مُحَيْصِنٍ ويعقوبُ ورَوْحٌ: "سَيُدْخَلُونَ" بالبناء للمفعول، وقرأ الباقون، وعاصم في رواية حفص عنه، وأبو عمرو في غير رواية عَبّاسٍ بالبناء للفاعل، ينظر: السبعة ص ٥٧٢، تفسير القرطبي ١٥/ ٣٢٨، البحر المحيط ٧/ ٤٥٢، النشر ٢/ ٢٥٢، الإتحاف ٢/ ٤٣٩.