على الناس كلهم إلّا من أطاع اللَّه، وذلك قوله: {فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)} لَمْ يتَّبِعوه، وهو نصبٌ على الاستثناء، وذلك أن إبليس ظَنَّ بالمؤمنين ظَنًّا، فوافقه ظَنُّهُ فيهم حين قال لربه:{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}(١) يعني: مَنْ عَصَمْتَ مِنِّي.
قوله تعالى:{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}؛ أي: لا تنفع شفاعةُ مَلَكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسَلٍ، حتى يُؤْذَنَ له فِي الشفاعة، وهذا تكذيبٌ منه لهم، حيث قالوا:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}(٢).
قرأ أبو عمرٍ و وحمزة والكسائي وخلَفٌ والأعمش:"أُذِنَ لَهُ" بضم الألِف، وقرأ الباقون بالفتح (٣)، فمن فتح الهمزة كان المعنى: إلا لِمَنْ أذِنَ اللَّه له في الشفاعة، يعني الشافع، ومن ضمَّ الهمزة كان المعنى كقول مَن فتح؛ لأنّ الآذِنَ هو اللَّه تعالى في القراءتين، كقوله تعالى:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}(٤)، {وَهَلْ نُجَازِي}، والمُجازِي هو اللَّه تعالى في الوجهين، قال ابن عبّاسٍ: يريد: لا تشفع الملائكة إلا لِمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، كقوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}(٥).
(١) الإسراء ٦٢. (٢) يونس ١٨. (٣) قرأ بضم الهمزة أيضًا اليزيديُّ والحسنُ وأبو بكر عن عاصم، وقرأ الباقون وحفصٌ عن عاصم بفتح الهمزة، ينظر: السبعة ص ٥٢٩، إعراب القراءات السبع ٢/ ٢٢٠، تفسير القرطبي ١٤/ ٢٩٥، الإتحاف ٢/ ٣٨٦. (٤) سبأ ١٧. (٥) الأنبياء ٢٨.