هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} يعني المنافقين؛ أي: ما يريدون إلا فرارًا من القتال ونصرة المؤمنين.
قوله تعالى:{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} يعني المدينة؛ أي: لو دَخَلَ عليهم الأحزابُ الذين يريدون قتالهم المدينةَ {مِنْ أَقْطَارِهَا} جوانبها ونواحيها، واحِدُها قُطْرٌ، {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} يعني: الشِّرك {لَآتَوْهَا} قرأه العامة بالمدِّ؛ أي: لأعطوهم ما سألوا ولأشركوا، وقرأ أهل الحجاز:"لاعرتوْها"(١) بقصر الألف؛ أي: لَفَعَلُوها، من قولك: أتَيْتُ الخيرَ؛ أي: فَعَلْتُهُ (٢)، {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (١٤)} قال قتادة (٣): وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلًا، وهذا قول أكثر المفسِّرين، وقال الحسن والفراء (٤): وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلًا حتى هلكوا، ونصب {يَسِيرًا} على الاستثناء، وهو نعت لمصدرِ محذوفٍ، تقديره: إلّا لُبْثًا يسيرًا (٥).
قوله:{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} يعني: من قبل غزوة الخندق، ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ عَهْدَهُمْ مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالثبات في المواطن، فقال تعالى:{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} لا ينهزمون، ولا يولون العدوَّ
(١) ينظر: السبعة ص ٥٢٠، حجة القراءات ص ٥٧٤، تفسير القرطبي ١٤/ ١٤٩، البحر المحيط ٧/ ٢١٣، الإتحاف ٢/ ٣٧٢. (٢) فاله الفارسي في الحجة ٣/ ٢٨٢ - ٢٨٣. (٣) ينظر قوله في جامع البيان ٢١/ ١٦٥، الوسيط ٣/ ٤٦٣، زاد المسير ٦/ ٣٦١. (٤) ينظر قول الحسن في الكشف والبيان ٨/ ١٩، ونص قول الفراء: "يقول: لَمْ يكونوا لِيَلْبثُوا بالمدينة بعد إعطاء الكفر حتى يهلكوا". معانِي القرآن ٢/ ٣٣٧. (٥) ويجوز أن يكون نعتًا لظرف محذوف؛ أي: إلا زَمَنًا يسيرًا، ينظر: التبيان للعكبري ص ١٠٥٣، الدر المصون ٥/ ٤٠٦.