يقال: الفعل لا يخلو من فاعل، فأين الفاعل لـ {يَهْدِ}؟، فتكلم النحويون في هذا، فقال الفراء (١): "كَمْ": في موضع رفع بـ {يَهْدِ}.
وهذا نَقْضٌ لأصول النحويين في قولهم: إن الاستفهام لا يَعمل فيه ما قبلَه، ولا في "كَمْ"، أعني ما قبلها، ومذهب أبي العباس المبرد أنّ {يَهْدِ} يدل على الهدى، فالمعنى: أو لم يَهْدِ لهم الهدى؟ (٢)، وقيل (٣): إن المعنى: أولم يَهْدِ اللَّهُ لهم؟ فيكون معنى الياء ومعنى النون واحدًا، وقال الزجاج (٤): "كَمْ": فِي موضع نصب بـ {أَهْلَكْنَا}.
قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} يعني: المطر والسيل {إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} يعني: اليابسة الحقيرة الغليظة التي لا نبات فيها، وأصله من قولهم: ناقةٌ جُرُزٌ: إذا كانت أكُولًا تأكل كل شيء تجده، ورجل جَرُوزٌ: إذا كان أَكُولًا، قال الراجز:
١٢٦ - خِبٌّ جَرُوزٌ، وَإذا جاعَ بَكَى (٥)
(١) معاني القرآن ٢/ ٣٣٣، ثم قال: "كأنك قلت: أو لم تَهْدِ القرونُ الهالكةُ". (٢) ينظر قول المبرِّد في إعراب القرآن ٣/ ٢٩٨، مشكل إعراب القرآن ٢/ ١٩٠، الفريد للهمداني ٤/ ٢٦، تفسير القرطبي ١٤/ ١١٠. (٣) قاله الزَّجّاج في معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٢١١، وينظر: إعراب القرآن ٣/ ٢٩٨، مشكل إعراب القرآن ٢/ ١٩٠، البيان للأنباري ٢/ ٢٦١، التبيان للعكبري ص ٩٠٧، الفريد للهمداني ٤/ ٢٦. (٤) معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٢١١. (٥) البيت من الرجز المشطور للشماخ بن ضرار، ورواية ديوانه: "خِبُّ جَبانٌ"، ونسب لِلْجُلَيْحِ ابنِ شُمَيْذٍ. اللغة: الخِبُّ: اللئيم الخَدّاعُ المفسد. =