قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يقول: اصبِرْ يا محمد على ما تَلْقاهُ من أذى المشركين {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(١)، فإن وعد اللَّه حقٌّ في نصرك وتمكينك وإظهارك على عدوك، {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ} أي: ولا يَسْتَفِزَّنَّكَ إلى مُتابَعةِ الشُّبُهاتِ، والإخْلادِ إلى الشَّهَواتِ، وقيل: مَعْناهُ: ولا يَسْتَزِلَّنَّكَ ويَسْتَحْقِرَنَّ رَأْيَكَ وحُكْمَكَ وحِلْمَكَ {الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)} بالبعث والحساب وبما جئت به من أمر اللَّه ودينه، والمعنى: لا يَحْمِلَنَّكَ أذاهم على أن تَخِفَّ نَفْسُكَ وتَضْعُفَ.
يقال: اسْتَخَفَّهُ عن رأيه: إذا حمله على الجهل وأزاله عما كان عليه من الصواب، وهو فِي موضع جزم بالنهي، أكِّدَ بالنون الثقيلة فبُنِيَ على الفتح، كما يُبْنَى الشيئان إذا ضُمَّ أَحَدُهُما إلى الآخر، {الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} في موضع رفع، ومن العرب من يقول:"اللَّذُونَ" في موضع الرفع (٢)، واللَّه أعلم.
* * *
(١) الأحقاف ٣٥. (٢) من أول قوله: "وهو في موضعِ جزم" قاله النَّحاس بنصه في إعراب القرآن ٣/ ٢٨٠، والعرب الذين يقولون: اللُّذُون فِي الرفع هم هذيل وكنانة وطيئ وعقيل، ينظر: إعراب القرآن ١/ ١٨٢، ٣٢٣، ٤٦٥، الصحاح ٢/ ٥٧٠، ٦/ ٢٤٨٢.