ثُمَّ عَظَّمَ ذلك اليومَ، فقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧)} يعني يوم الحساب، ثم كَرَّرَهُ تفخيمًا لشأنه، فقال: {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨)} {مَا} هنا استفهام فيها معنى التعجب والتعظيم، وقد ذكرتُ نظيرها في سورة الحاقة (١)، فَأغْنَى عن الإعادة هاهنا؛ إذ المعنى واحد، وتكرار {مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨)} لِيُفْهَمَ ثَوابُ الأبْرارِ وَعِقابُ الفُجّارِ.
ثم أخْبَرَ نَبيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن يوم الدين، فقال تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)} يعني يوم القيامة {لِلَّهِ (١٩)} المعنى: إنَّ اللَّهَ لا يُمَلِّكُ فِي ذلك اليومِ أحَدًا شَيْئًا من الأمور كما مَلَّكَهُمْ في دار الدنيا.
وقوله:{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ} قرأ أهل مكة وأهل البصرة برفع الميم (٢) رَدًّا على اليوم الأول بدلًا منه، ويجوز أن يُرفع على إضمار "هُوَ"(٣)، وقرأ غيرهم بالنصب على الظرف؛ أي: في يوم الدين، واختاره أبو عبيد، قال (٤): لأنها إضافة غير محضة، قال ابن الأنباري (٥): وهو في موضع رفع إلّا أنه نصب؛ لأنه مضاف غير محض، كما تقول: أعْجَبَنِي يَوْمَ يَقُومُ (٦) زَيْدٌ، وأنشد أبو العباس:
(١) الحاقة ١ - ٢، وينظر ما سبق ٤/ ٣٤ - ٣٥. (٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي وابن أبِي إسحاق وعيسى بن عمر وابن جندب: "يَوْمُ لَا تَمْلِكُ" بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب، ينظر: السبعة ص ٦٧٤، البحر المحيط ٨/ ٤٢٨، الإتحاف ٢/ ٥٩٥. (٣) قاله الأخفش في معانِي القرآن ص ٥٣١، وقاله الزجاج والنحاس ومَكِّيٌّ أيضًا، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٢٩٦، إعراب القرآن ٥/ ١٧٠، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٦٢. (٤) ينظر قوله واختياره في الكشف والبيان ١٠/ ١٤٨. (٥) إيضاح الوقف والابتداء ص ٩٦٩. (٦) في الأصل: "يوم القيامة"، وهو خطأ، والتصويب من إيضاح الوقف والابتداء.