{لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠)} يعني محمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمعنى: إنه لَتِلَاوةُ رَسولٍ كَرِيمٍ، فحذف كقوله تعالى:{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}(١) وبابِهِ، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١)}؛ أي: لا تصدقون بأن القرآن من عند اللَّه {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)}؛ أي: تَتَّعِظُونَ بالقرآن، قرأ ابن عامر وابن كثير ويعقوب وأبو حاتم:{يُؤْمِنُونَ} و {يَذَكَّرُونَ} بالياء فيهما (٢) إخْبارًا عن المشركين، وقرأ الباقون بالتاء فيهما، وخَفَّفَ حَمْزةُ والكسائيُّ وحَفْصٌ الذالَ على أُصُولِهِمْ.
ويريد بالقليل نَفْيَ إيمانهم أصْلًا، كما تقول لِمَنْ لا يزورك: قَلَّما تَأْتِينا، وأنت تريد: لا تأتينا أصلا (٣)، ونصب {قَلِيلًا} في الموضعين بـ {تُؤْمِنُونَ} و {تَذَكَّرُونَ}، {ومَّا} زائدة، وحقيقته أنه نعت لمصدر محذوف تقديره: وَقْتًا قَلِيلًا أو إيمانًا قَلِيلًا، وكذلك: تَذَكَّرُونَ وَقْتًا قَلِيلًا أو تَذَكُّرًا قَلِيلًا (٤).
قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)} يعني القرآن، والتقدير: بل القرآن الذي يجيئكم به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي تزعمون أنه شِعْرٌ وكَهانةٌ وسِحْرٌ تَنْزِيلٌ من رَبِّ العالمين.
(١) يوسف ٨٢. (٢) وقرأ بالياء أيضًا: القُطَعِيُّ عن عبيد عن هارون عن أبِي عمرو، وابنُ ذكوان من طريق الصوري، ويعقوبُ وابنُ محيصن والحسنُ والجحدريُّ، ينظر: السبعة ص ٦٤٨، النشر ٢/ ٣٩٠، البحر المحيط ٨/ ٣٢٢، الإتحاف ٢/ ٥٥٩. (٣) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ١٦٢/ أ. (٤) الوجهان قالهما مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٠٤، وذهب ابن خالويه إلى أن {قَلِيلًا} "منصوب بـ {تُؤْمِنُونَ}، و {ما} مع الفعل فِي تأويل مصدر، والتقدير: قَلِيلًا إيمانُهُمْ، ينظر: إعراب القراءات السبع ٢/ ٣٨٦، وينظر أيضًا: المحرر الوجيز ٥/ ٣٦٢، البحر المحيط ٨/ ٣٢١، ٣٢٢.