قوله تعالى:{وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} يعني قُرَى قَوْمِ لُوطٍ، والمعنى: وَأهْلُ المُؤْتَفِكاتِ، ويجوز أن يريد الأمم والجماعات الذين ائْتُفِكُوا بخَطِيئَتِهِمْ، قرأه العامة بالألف، وقرأ الحسن:"والمُؤْتَفِكةُ" بغير ألف (١)، وقوله: {بِالْخَاطِئَةِ (٩)} يعني: بالمعصية، وهي الشرك والكفر باللَّه، والخاطِئةُ مصدر كالخَطَأِ والخَطِيئةِ.
قوله:{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} يعني لوطًا وموسى عليهما السلام، {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (١٠)}؛ أي: نامِيةً زائِدةً على عذاب الأُمَمِ، يقال: رَبا الشَّيْءُ يَرْبُو: إذا زادَ وتَضاعَفَ {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ}؛ أي: عَتا وَجاوَزَ حَدَّهُ حَتَّى عَلَا كُلَّ شَيْءٍ، وارتفع فوقه خمسة عشر ذراعا (٢)، يعني: زَمَنَ نُوحٍ عليه السلام {حَمَلْنَاكُمْ}؛ أي: حَمَلْنا آباءَكُم وأنتم في أصْلَابِهِمْ {فِي الْجَارِيَةِ (١١)} يَعني: في السفينة التِي تَجْرِي في الماءِ؛ {لِنَجْعَلَهَا}؛ أي: لِنَجْعَلَ تلك الفِعْلةَ (٣) التِي فَعَلْنا من إغْراقِ قَوْمٍ نُوحٍ ونَجاةِ مَنْ أنْجَيْنا منهم مِمَّنْ حَمَلْنا فيها {لَكُمْ تَذْكِرَةً}؛ أي: عِظةً وعِبْرةً {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)}؛ أي: حافظةٌ لِما جاء من عند اللَّه تَسْمَعُهُ وتَعْقِلُهُ وتَحْفَظُهُ.
قرأ طلحة:"وَتَعْيها" بإسكان العين، واخْتُلِفَ فيه عن عاصم وابن كثير (٤)، وهي قراءة رَدِيئةٌ غَيْرُ قَوِيّةٍ (٥)، وقرأ الباقون بالإشباع.
(١) ينظر في هذه القراءة: شواذ القراءة ورقة ٢٤٨، القرطبي ١٨/ ٢٦٢، البحر المحيط ٨/ ٣١٦. (٢) قاله قتادة، ينظر: جامع البيان ٢٩/ ٦٧، الكشف والبيان ١٠/ ٢٧ - ٢٨، القرطبي ١٨/ ٢٦٣. (٣) في الأصل: "الفعل". (٤) قرأ طلحة بن مُصَرِّفٍ، وابنُ كثير في رواية القَوّاسِ عنه، وحُمَيْدٌ الأعرجُ، وقُنْبُلٌ في رواية أبي ربيعة عنه، وأبو عمرو في رواية هارونَ وخارجةَ عنه: "وَتَعْيَها" بإسكان العين، وقرأ الباقون، وابنُ مجاهد عن قُنْبُل عن ابن كثير، وأبو عمرو في روايةٍ أخرى: "وَتَعِيَها"، وقرأ عُصْمةُ عن عاصمٍ، وابنُ ثوبان: "وَتَعِيَّها" بتشديد الياء، ينظر: السبعة ص ٦٤٨، مختصر ابن خالويه ص ١٦١، إعراب القراءات السبع ٢/ ٣٨٧، تفسير القرطبي ١٨/ ٢٦٣، البحر المحيط ٨/ ٣١٧. (٥) المؤلف في هذا مُتابِعٌ لِلثعْلَبِيِّ في حُكْمِهِ على هذه القراءة بالرَّداءةِ، فقد قال الثعلبي ذلك =