وفي هذين المَثَلَيْنِ اللذين ضربهما اللَّه تعالى تخويفٌ لعائشة وحفصة -رضي اللَّه عنهما-، وزَجْرٌ لَهُما عن أذَى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول: لا تكونا بِمَنْزِلةِ امرأة نوح وامرأة لوط في المعصية، وكُونا بمَنْزِلةِ امرأة فرعون ومريم، وهو قوله:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}؛ أي: حَفِظَتْهُ من الفواحش، فَلَمْ يَمَسَّها بَشَرٌ قَطُّ.
ونصب "مَرْيَمَ" عطفًا على مَثَلٍ، و {ابْنَتَ} نعت لها، وقيل: على البدل (١)، ولَمْ ينصرف مَرْيَمُ للتأنيث والتعريف، وقيل: إنه اسم أعجمي، وقيل: عربِي (٢).
وقوله:{فَنَفَخْنَا فِيهِ} يعني: في جَيْبِ دِرْعِها {مِنْ رُوحِنَا} مِنْ أمْرِنا، يقال: إن جبريل -عليه السلام- مَدَّ جَيْبَ مِدْرَعَتِها بِإصْبَعِهِ، ثم نفخ في جيبها فحملت، والكناية عن غير مذكور، وقيل: إن الرُّوحَ عيسى عليه السلام؛ أي: جعله اللَّه تعالى في بطن أمه.
(١) هذا الوجه والذي قبله قالهما النَّحّاسُ ومَكِّيٌّ، ينظر: إعراب القرآن ٤/ ٤٦٥، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٩٠. (٢) قاله مَكِّيٌّ بنصه في مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٩٠. قال ابن دريد: "ومَريمُ: اسمٌ أعجميٌّ، وليسَ في كلام العرب فَعْيَلٌ". الاشتقاق ص ٣٤٧، وقال الصاحب بن عباد: "والمَرْيَمُ من النِّساءِ: التي تُحِبُّ حَدِيْثَ الرِّجالِ ولا تَفْجُرُ". المحيط في اللغة ١٠/ ٢٨٩، وقال الجوهري: "أبو عمرو: مَرْيَم مَفْعَل من رام يَرِيم". الصحاح ٥/ ١٩٤٠، وقال الجواليقي: "ومريم: اسم أعجمي". المعرب ص ٣١٧، وينظر: اللسان: ريم، التاج: ريم.