بِقَصْرِ الألف (١) من الإتيان؛ أي: جاءَكُمْ، واختاره أبو عبيد (٢) لِلْمُعادَلةِ بينه وبين {فَاتَكُمْ} لِيُوافِقَ الكلامُ بَعْضُهُ بَعْضًا، ونَقِيضُ الفَوْتِ الإتْيانُ، قال ابن عباس (٣): لَيْسَ أحَدٌ إلّا وهو يَفْرَحُ ويَحْزَنُ، ولكن اجعلوا للمصيبة صَبْرًا وللخير شُكْرًا {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣)} مُتَكَبِّرٍ بما أُوتِيَ من الدنيا فَخُورٍ به على الناس.
قوله:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} في محله من الإعراب وجهان، أحدهما: الخفض على نعت المختال، والثانِي: الرفع بالابتداء، وخَبَرُهُ فيما بعده، ويجوز أن يكون في موضع نصب على البدل من {كُلَّ}، أو على الذمِّ بمعنى: أعْنِي، والمَعْنِيُّ بالآية قيل (٤): هم اليهود بَخِلُوا بِصِفةِ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكَتَمُوا أمْرَهُ لِيَأْخُذُوا الفَضلَ من أتباعهم وسِفْلَتِهِمْ.
قوله:{وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} يعني: بِكِتْمانِ أمْرِ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- وصِفَتِهِ، والناس هاهنا هم اليهود وأتباعهم، وقرأ حمزة والكسائي:"بِالبَخَلِ"(٥) بفتح الباء والخاء {وَمَنْ يَتَوَلَّ} يعني: عن الإيمان باللَّه ورسوله فيما دَعاهُ إليه، وهو
(١) قرأ أبو عمرو والحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم: {آتَاكُمُ} بقصر الهمزة. ينظر: السبعة ص ٦٢٦، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٥٨، البحر المحيط ٨/ ٢٢٤، الإتحاف ٢/ ٥٢٣. (٢) ينظر اختيار أبِي عبيد في إعراب القرآن للنحاس ٤/ ٣٦٥، الكشف والبيان ٩/ ٢٤٥، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٥٨. (٣) ينظر قوله في جامع البيان ٢٧/ ٣٠٥، شفاء الصدور ورقة ١٠٤/ ب، الوسيط ٤/ ٢٥٣، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٥٨. (٤) ذكره النقاش في شفاء الصدور ورقة ١٠٤/ ب. (٥) وبها قرأ أيضًا: أنَسٌ وخَلَفٌ وعُبَيدُ بنُ عُمَير وابنُ يَعمُرَ ومجاهدٌ وحُمَيدٌ وابنُ مُحَيصِن، ينظر: السبعة ص ٦٢٧، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٥٩، النشر ٢/ ٢٤٩، الإتحاف ٢/ ٥٢٣.