قوله تعالى:{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} يعني السفينة {آيَةً}؛ أي: عِبْرةً وعِظةً {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥)}؛ أي: مُتَّعِظٍ، والأصل عند سيبويه (١): مُذْتَكِرٌ، فاجتمعت الذال، وهي مجهورة أصلية، والتاءُ وهي مهموسة زائدة، فأبدلوا من التاء حرفًا مجهورًا من مخرجها، فصار: مُذْدَكِرٌ، فأدغمت الدال فصار: مُدَّكِرٌ.
قوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦)} استفهام عن تلك الحالة، ومعناه التعظيم لذلك العذاب، وفيه تخويفٌ لِمُشْرِكِي مَكّةَ، وقوله:"نُذُرِ"؛ أي: إنذاري، قرأ وَرْشٌ:"نُذُرِي" بياء فِي الوصل حيث وقع فقط، وقرأ الباقون بحذفها في الحالين (٢)، قال الفراء (٣): النُّذُرُ والإنْذارُ مصدران.
تقول العرب: أنْذَرْتُ إنْذارًا ونُذُرًا، كقوله: أنْفَقْتُ إنْفاقًا ونَفَقةً، وأيْقَنْتُ إيقانًا ويَقِينًا، و"كَيْفَ" في موضع نصب على خبر "كان"، إلا أنها مبنية لأن فيها معنى الاستفهام، وفُتِحَتْ لالتقاء الساكنين (٤).
قوله:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} يعني: للحفظ والقراءة، قال سعيد ابن جُبَيْرٍ (٥): ليس مِنْ كُتُبِ اللَّه كتابٌ يُقْرَأُ كُلُّهُ ظاهرًا إلا القرآن {فَهَلْ مِنْ
= وهو نوح عليه السّلام، وهذا قول الزمخشري في الكشاف ٤/ ٣٨، وينظر: التبيان للعكبري ص ١١٩٤، الفريد ٤/ ٣٩٥. (١) الكتاب ٤/ ٤٦٩ - ٤٧٠. (٢) قرأ وَرْشٌ عن نافع: "وَنُذُرِي" بياء في الوصل فقط، وقرأ يعقوب بياء في الوصل والوقف، وقرأ الباقون بغير ياء في الحالين، ينظر: السبعة ص ٦١٨، النشر ٢/ ٣٨٠، الإتحاف ٢/ ٥٠٦. (٣) قال الفراء: "النُّذُرُ هاهنا مصدر معناه: فكيف كان إنْذارِي". معانِي القرآن ٣/ ١٠٧. (٤) قاله الأزهري في التهذيب ١٠/ ٣٩٢، وقال الجوهوي: "كَيْفَ: اسم مبهم غير متمكن، وإنما حُرِّكَ آخِرُهُ لالتقاء الساكنين، وبُنِيَ على الفتح دون الكسر لمكان الياء". الصحاح ٣/ ١٤٢٥. (٥) ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة ٧٩/ ب، الكشف والبيان ٩/ ١٦٥، الوسيط ٤/ ٢٠٩، المحرر الوجيز ٥/ ٢١٥، عين المعانِي ورقة ١٢٩/ أ.