ثُمَّ بيَنَ أن جميع ذلك تَفَضُّلٌ من اللَّه تعالى فقال:{فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} انتصب على المفعول من أجله؛ أي: لِلْفَضْلِ (١)، وقيل (٢): على المصدر، وإن شئت على إضمار "كانَ"، أي: كان جميع ذلك فضلًا من اللَّه ونعمةً (٣){وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما فيه صَلَاحِ خَلْقِهِ، لا يخفى عليه شيء من ذلك {حَكِيمٌ (٨)} فِي تدبيره بالعدل.
قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} بالدعاء إلى حُكْمِ كتاب اللَّه، والرضا بما فيه لهما وعليهما، قال أكثر المفسرين: وَقَفَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم في مجلس من مجالس الأنصار، وهو على حمار، فَبالَ حِمارُهُ، فأمسك عبد اللَّه بن أُبَيٍّ أنْفَهُ، وقال: آذانِي نتَنُ حِمارِكَ، فقال عبد اللَّه بن رَواحةَ: واللَّهِ لَبَوْلُ حِمارِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أطْيَبُ مِنْكَ رِيحًا،
= الهوامع ١/ ٢٧٦، ٣/ ٤٨٦، شرح شواهد شرح الشافية ص ٤١١. (١) قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٥، وينظر: إعراب القرآن للنحاس ٤/ ٢١١. (٢) قاله الزمخشري وابن عطية والباقولِيُّ وغيرهم، ولكن الزمخشري جعله مصدرًا من غير فعله، والعامل فيه "الرّاشِدُونَ"، فقال الزمخشري: "وأما كونه مصدرًا من غير فعله فأن يوضع موضع "رُشْدًا"؛ لأن رُشْدَهُمْ فَضْل من اللَّه لكونهم مُوَفَّقِينَ فيه، والفضل والنعمة بمعنى الإفضال والإنعام". الكشاف ٣/ ٥٦٢، وأما ابن عطية فقد جعله مُؤَكِّدًا لنفسه، فقال: "مصدر مؤكد لنفسه؛ لأن ما قبله هو بمعناه، إن التَّحَبُّبَ والتَّزْيِينَ هو نفس الفضل". المحرر الوجيز ٥/ ١٤٨، وعلى هذا فالعامل فيه فعل مضمر من لفظه؛ أي: تَفَضَّلَ بذلك فَضْلًا، وأنْعَمَ عليكم نِعْمةً، وينظر أيضًا: الفريد للمنتجب الهمداني ٤/ ٣٣٩، البحر المحيط ٨/ ١١٠. (٣) إضمار "كان" هنا قاله الثعلبي والزمخشري والسجاوندي، ينظر: الكشف والبيان ٩/ ٧٨، الكشاف ٣/ ٥٦٢، عين المعانِي ورقة ١٢٥/ أ، قال أبو حيان رَدًّا على الزمخشري: "وأما تقديره: أو كان ذلك فضلًا، فليس من مواضع إضمار "كان"، ولذلك شرط مذكور في كتب النحو". البحر المحيط ٨/ ١١٠.