اللام تسمى لام الصيرورة، والمعنى: كَيْ لَا تَبْطُلَ حسناتُكُمْ {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)}؛ أي: لا تشعرون أن أعمالكم قد حَبِطَتْ.
قيل: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن الشَّمّاسِ (١)، وكان جَهْوَرِيَّ الصوتِ (٢)، فربما كان يُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَيَتَأذَّى بصوته، فنَزَلَتْ هذه الآية، وهذا يدل على أنه يُحِبُّ أن يُعَظَّمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غايةَ التعظيم، ولَمّا نزلت هذه الآية حَبَسَ ثابت بن قيس نَفْسَهُ في بيته، وكان في أذنيه صَمَمٌ، فقال: أخاف أن أكون ممن حَبِطَ عَمَلُهُ؛ لقوله تعالى:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، وكنتُ أرفع صوتِي فوق صوت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه:"ما الذي منعك من الحضور"؟ فقال: أخاف أن أكون من أهل النار، فقال:"بل أنت من أهل الجنة"(٣)، فَقُتِلَ يوم اليمامة.
قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} الغَضُّ: النَّقْصُ من كل شيء {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} قال الفراء (٤): أخْلَصَ قُلُوبَهُمْ للتقوى، كما يُمْتَحَنُ الذَّهَبُ بالنار فَيَخْرُجُ جَيِّدُهُ مِنْ رَدِيئهِ، ويَسْقُطُ خَبِيثُهُ من صالحه، وتقدير الكلام على هذا: امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، فَأخْلَصَها للتقوى، فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣)} جَزاءٌ وافِرٌ، وهو الجنة.
(١) من الخزرج، كان خطيبَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، شهد أُحُدًا وما بعدها، واستشهد يوم اليمامة سنة (١٢ هـ). [أسد الغابة ١/ ٢٢٨ - ٢٣٠، الإصابة ١/ ٥٥١، ٥١٢، الأعلام ٢/ ٩٨]. (٢) رَجُلٌ جَهْوَريُّ الصُّوْتِ: رَفِيعُهُ من: جَهْوَرَ؛ أي: أعْلَنَ بِصَوْتهِ وأظْهَرَهُ. اللسان: جهر. (٣) رواه الإمام أَحمد بسنده عن أنس في المسند ٣/ ١٣٧، ٢٨٧، والبخاري في صحيحه ٦/ ٤٦، ٤٧ كتاب تفسير القرآن: سورة الحجرات، ومسلم في صحيحه ١/ ٧٧ كتاب الإيمان: باب مَخافةِ المؤمن أن يحبط عمله. (٤) معانِي القرآن ٣/ ٧٠ باختلاف يسير في ألفاظه.