وقيل: معناه: لا تَمْشُوا بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذلك بين يدي العلماء، فإنهم وَرَثةُ الأنبياء، ودليل هذا التأويل ما رُوِيَ عن أبِي الدَّرْداءِ رضي اللَّه عنه قال: رَآنِي النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمشي أمام أبِي بَكْرٍ رضي اللَّه عنه، فقال:"أتَمْشِي أمامَ مَنْ هو خَيْرٌ منك فِي الدنيا والآخرة، ما طلعت الشمس ولا غَرَبَتْ على أحد بعد النبيين والمرسلين خَيْرٍ وأفْضَلَ من أبِي بكر"(١).
وقيل (٢): معناه: لا تَكَلَّمُوا قبل أن يتكلم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} فِي تضييع حَقِّهِ الذي فرضه عليكم، وكَلَّفَكُم القيامَ لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لِما تقولون {عَلِيمٌ (١)} بِما تفعلون.
قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}"فَوْقَ" نصب على الظرف {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} هذا أدَبٌ من اللَّه تعالى أدَّبَهُمْ إذا كانوا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ألا يرفعوا أصواتهم فوق صوته، وأن يُوَقِّرُوهُ ويُعَظِّمُوهُ، وكان واللَّهِ أهلًا لذلك -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}"أنْ" فِي موضع نصب، تقول العرب: أسْنِد الحائطَ أنْ يَمِيلَ (٣)، قال الزجاج (٤): المعنى: لِئَلّا تَحْبَطَ أعمالُكُمْ، وهي عنده مثل قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}(٥)، وهذه
(١) رواه ابن حبان في الثقات ٧/ ٩٤، وينظر: تاريخ دمشق ٣٠/ ٢٠٨، ٢١١، كنز العمال ١١/ ٥٥٦، ١٣/ ١٢، ١٣. (٢) هذا القول حكاه النقاش عن ثعلب في شفاء الصدور ورقة ٣٩/ أ. (٣) هذا قول الأخفش وغيره من البصريين، فـ "أنْ" عندهم نصب على المفعول له، قال الأخفش: "أي: مَخافةَ أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ، وقد يقال: اسْمُكِ الحائِطَ أنْ يَمِيلَ". معانِي القرآن ص ٤٨٢. (٤) معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٢. (٥) القصص ٨.