قال أهل المعانِي (١): وجواب قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} محذوف، على تقدير: ألَيْسَ قَدْ ظَلَمْتُمْ؟ ويدل على هذا المَحْذُوفِ قولُهُ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وقال الحَسَنُ (٢): جواب "إنْ": فمن أضل منكم؟ كما قال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ}. . . الآية (٣). وقال أبو علي الفارسيُّ (٤): تقديره: أتَأْمَنُون عقوبةَ اللَّه تعالى، وقيل (٥): معناه: مَنِ المُحِقُّ ومَنِ المُبْطِلُ مِنّا ومِنْكُمْ؟
قوله تعالى:{وَمِنْ قَبْلِهِ}؛ أي: ومن قبل القرآن {كِتَابُ مُوسَى} يعني التوراة {إِمَامًا} يُؤْتَمُّ به {وَرَحْمَةً} لِمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالحًا، وفي نصبهما ثلاثة أوجه، أحدها: على الحال، وهو قول الزجاج والكسائي (٦)، والثانِي:
(١) قاله النحاس والواحدي، ينظر: معاني القرآن للنحاس ٦/ ٤٤٢، الوسيط ٤/ ١٠٤ - ١٠٥، وهو قول الزمخشري أيضًا فِي الكشاف ٣/ ٥١٨، وقال أبو حيان: "وقال الزمخشري: جواب الشرط محذوف تقديره: إن كان هذا القرآن من عند اللَّه وكفرتم به ألستم ظالمين؟ وجملة الاستفهام لا تكون جوابًا للشرط إلا بالفاء، فإن كانت الأداةُ الهمزةَ تقدمت الفاءَ نحو: إنْ تَزُرْنا أفَما نُحْسِنُ إلَيْكَ؟ أو غَيْرَها تقدمت الفاءُ نحو: إنْ تَزُرْنا فَهَلْ تَرَى إلّا خَيْرًا؟ فقول الزمخشري: ألستم ظالمين؟ بغير فاء لا يجوز أن يكون جواب الشرط". البحر المحيط ٨/ ٥٨، وقال السمين: "والزمخشري ذكر أمرًا تقديريًّا فَسَّرَ به المعنى لا الإعرابَ". الدر المصون ٦/ ١٣٦. (٢) ينظر قوله في الوسيط ٤/ ١٠٥، زاد المسير ٧/ ٣٧٤، البحر المحيط ٨/ ٥٨. (٣) فصلت ٥٢. (٤) قال الفارسي: "وكَأنّ التقدير: أتَأْمَنُونَ عُقُوبةَ اللَّه، أو لا تْخَشَوْنَ انتقامَهُ؟ ". المسائل الحلبيات ص ٧٧. (٥) هذا القول حكاه الثعلبي عن أهل المعانِي في الكشف والبيان ٩/ ١٠، وينظر: زاد المسير ٧/ ٣٧٤، عين المعانِي ورقة ١٢٢/ أ، البحر المحيط ٨/ ٥٨، الدر المصون ٦/ ١٣٧. (٦) معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٤٠، وأما قول الكسائي فلم أقف عليه، ومعنى قولهما أن "إمامًا" حال من الضمير المَجْرُورِ في قوله: "قَبْلِهِ".