وحاصل هذا أن الحافظ علاء الدين مغلطاي لما كان ذا نَظَر ثاقب، وذهن متقد، ناسب أن يجعل ما قيل في أقسام المرسل وما تبعه بعد حديث طاووس المرسل، وليس بعد حديث عليّ ﵁؛ المنقطع، وهذا يدلُّ على حسن اختياره، ودقة ترتيبه في جمع العلل والكلام عليها في موضع واحد، وشدَّة حِرْصِه على أن يضع الأمور في مواضعها.
[المطلب الخامس منهجه في جمع ألفاظ الجرح والتعديل في الراوي الواحد]
بالنظر تبيَّن أنّ ما ورد من ألفاظ الجرح والتعديل في الراوي الواحد، لم يطرأ أي تغيير على مواضع ورودها في كتاب «بيان الوهم والإيهام» عما هي عليه في كتاب «منار الإسلام»، اللَّهُمَّ إلّا موضع الحديث بمجموع ما ورد فيه من نقد، فإنّ الحافظ مغلطاي - كما أوضحت سابقًا - قد أعاد ترتيب مواضع الأحاديث ـ بعد حذف المكرر منها ـ فأدرج كل واحد منها بحسب الباب الفقهي الداخل تحته.
وسبب ذلك - فيما يظهر لي - بعد تدقيق النظر في الكتابين والموازنة بينهما فيما يتعلق بهذا الجانب، أن أولئك الرجال الذين اختلف قول الإمام عبد الحق الإشبيلي فيهم، فإنه قد صحح شيئًا من أحاديثهم في بعض المواضع، وحسن قسمًا آخر منها في مواضع أخرى، وحكم على قسم ثالث منها بالضعف في مواضع أخرى، وسكت عن قسم رابع منها في غير موضع، وقد كان شأن الحافظ ابن القطان الفاسي إزاء ذلك، أن يجمع أحاديث ذلك الراوي الذي اضطربت أقوال الإمام عبد الحق فيه، ثم يورد مجمل أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه، وعلى مقتضى ذلك يُطلق أحكامه، وقد يعيد ذكر بعض تلك الأحاديث في الأبواب التي تناسب كل واحد منها، دون أن يكرّر أقوال الأئمة الذين أوردهم في الموضع الأول إلا على وجه التذكير مختصرًا، ومثل هذا الأمر لم يكن للحافظ مغلطاي أن يتصرف فيه من جهة إعادة ترتيبه أو اختصاره، لأنه يُخِلُّ بأصل الكتاب، وهو قد أفصح عن منهجه في هذا الأمر في مقدمة الكتاب (١).