فاعلم أن هذا الذي أورَدَ مُلفّقٌ من مَثْنَين بإسنادين، لكلِّ واحدٍ علةٌ غير علة الآخر (١).
أحدهما: قوله: «بعث رسول الله ﷺ سَريّةً كنتُ فيها، فأصابتنا ظلمةٌ فلم نَعْرِف القبلة، فقالت طائفة منّا: قد عَرفْنا القِبْلَةَ، هي هاهنا قِبَلَ الشَّمالِ، فَصَلُّوا، وخَطُّوا خطا، وقال بعضنا: القِبْلَةُ من هاهنا، قِبَلَ الجَنُوبِ، وخطوا خطا، فلما أصبح وطلعت الشَّمسُ أصبحت تلك الخُطوط لغير القبلة، فلما قَفَلْنا من سفرنا، سألنا النبي ﵇ عن ذلك؟ فسكت»، وأنزل الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ الآية [البقرة: ١١٥]؛ أي: حيث كنتم (٢).
فهذا حديث قائم بنفسه ليس فيه:«فلم يأمرنا بالإعادة»، وقال:«قد أجزأتكُم صلاتكم».
والحديث الذي فيه ذلك هو هذا: عن جابر أيضًا قال: كنا مع رسول الله ﷺ في مسير أو سَيْرِ، فأصابنا غيم [فتحيَّرنا](٣)، فاختلفنا في القبلة، فصلّى كل رجل
(١) كذا جاء سياق الكلام هنا في النسخة الخطية، وفي بيان الوهم والإيهام (٣/ ٣٥٨)، بإثر الحديث رقم: (١١٠٥): «فاعلم أنّ هذا غير مُبيَّن العلة، وهو أيضًا ملفق من متنين، على ما بيناه فيما تقدم في باب الأحاديث المغيرة بالعطف والإرداف، ونزيد ذلك الآن بيانا … »، وهذه المغايرة بين سياق الكتابين إنما اسلتزمه ترتيب العلّامة مغلطاي لكتاب بيان الوهم والإيهام، فهذا الحديث قد ورد في ثلاثة مواضع فيه على ما أوضحته في التخريج، وقد استلزم الجمع بينها حذف بعض العبارات التي لا مدخل لها في هذا الترتيب، وزيادة أخرى على ما يخدم سياق الكلام هنا. (٢) أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الصلاة، باب الاجتهاد في القبلة وجواز التحري في ذلك (٢/ ٦) الحديث رقم: (١٠٦٢)، عن إسماعيل بن علي أبو محمد، حدثنا الحسن بن علي بن شبيب، حدثنا أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا عبد الملك العرزمي، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، قال؛ فذكره. وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى، كتاب الصلاة، باب استبانة الخطأ بعد الاجتهاد (٢/ ١٨) الحديث رقم: (٢٢٤٣)، من طريق أحمد بن عبيد الله بن الحسن به. وقال: «ولم نعلم لهذا الحديث إسنادا صحيحًا قويًا؛ … والطريق إلى عبد الملك العرزمي غير واضح، لما فيه من الوجادة وغيرها». وهذا إسناد رجاله ثقات، غير أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري، وقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في ثقاته. ينظر: لسان الميزان (١/ ٥٣٣) ترجمة رقم: (٦٢٤)، وقد تابعه عليه محمد بن سالم، كما يأتي في الرواية الثانية. (٣) في النسخة الخطية: «فتجهزنا» بالجيم والهاء والزاي وما أثبته من بيان الوهم والإيهام =