قال البخاري (١): حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا همام، عن الأعلم ـ هو زياد، عن الحسن، عن أبي بكرة، أنه انتهى إلى النبي ﵇ وهو راكع، فركع قبل أن يَصِلَ إلى الصَّفِّ، فذكر ذلك للنبي ﵇، فقال:«زَادَكَ اللهُ حِرْصًا ولا تَعُدْ».
فليس في هذا إلّا الرُّكوعُ قبلَ أخْذِ المكان من الصَّفِّ، وليس فيه أنه مشى راكعا إلى الصف، فلعله أتم صلاته حيث رَكَع.
وحديث حماد بن سلمة بين ذلك، فلذلك استحق أن يقول فيه أبو محمد إنه أبين، ولكن مع ذلك بقي عليه أن يذكر ما يُبيّن أن مَشْيَهُ إلى الصف كان راكعًا، فإنّ حديث حماد المذكور لم يُبيّن ذلك، بل يحتمل أن يكون مشى إليه راكعًا، وأن يكون مشى إليه قائما بعد رفع الرأس من الركوع، أو بعد أن فرغ من السجود، حتى يكون مَشْيُه في القيام من الركعة الثانية.
والذي يُبيِّن المقصود هو رواية حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن الأعلم (هو زياد)، عن الحسن، عن أبي بَكْرةَ: أنّه دَخَل المسجد ورسول الله ﷺ يُصلِّي وقد رَكَع، فرَكَع، ثم دخل الصَّفَ وهو راكع، فلما انصرف رسول الله ﷺ قال:«أَيُّكُم دَخَلَ الصَّفَ وهو راكع؟» فقال أبو بكرة: أنا. قال:«زادَكَ اللهُ حِرْصًا ولا تَعُدْ»(٢)، وهكذا هو في «مصنف حماد بن سلمة».
وبهذه الزيادة تبين أن الذي أنكر عليه النبي ﵇ إنما هو أنْ دَبَّ راكعًا، وقد كان هذا متنازَعًا فيه، فمِنَ النّاس مَنْ قال: إنه إنما قال له: «لا تَعُدْ» أي: إلى التأخر والإبطاء، وشكر له مع ذلك حِرْصَه.
ومنهم من قال: إنه إنّما نهاه عن المَشْي راكعًا، وبهذه الزيادة تبين أن هذا هو المراد، والله أعلم (٣).
(١) تقدم تخريجه من عنده أثناء تخريج الحديث الذي صدر ذكره. (٢) عزا الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٢/ ٢٦٨) رواية حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، هذه للطبراني، ولم أقف عليها في المطبوع من معاجمه، ولا عند الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، وذكره الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة (١٣/ ٥٦١) تحت الحديث رقم: (١٧١٣٨)، وعزاه لعلي بن عبد العزيز في منتخب المسند له، ولمحمد بن سنجر في مسنده. وقد أخرجها ابن حزم في المحلّى (٢/ ٣٧٧)، من طريق علي بن عبد العزيز، حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، به. (٣) ينظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي (١٤/ ٢٠٥) الحديث رقم: (٥٥٧٦)، وشرح معاني =