فلم يَبْقَ لقوله:«حديثُ مسلم أعلى إسنادًا» معنى، إلا أن يكون من جهة تفضيل مسلم على الترمذي.
فإن قيل: ولعله اعتقد أنَّ مسلمًا قد أعرض عن قتيبة بعد أن قال أنه حدثه به، واقتصر على إيراد الحديث عن يحيى بن يحيى، ورأى أنَّ الخلاف فيه بذكر النبي ﷺ وتَرْكِ ذِكْرِه، إنما هو بينَ (١) يحيى وقتيبة، ورجح يحيى على قتيبة؟
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن الرجلين ثقتان، وإن كان التفضيل؛ فقُتيبة فوق يحيى (٢)، ويُعرف ذلك من تَتَبُّع أنبائهما في مواضعها (٣).
والوجه الآخر: أنَّ هذا لا يمكن أن يُحمل الأمر عليه، فإنّ مسلما لم يُعْرِضْ عن قتيبة، ولو كان هذا لم يكن ما قلتُ إلا بعد الحَمْلِ على مسلم بأنّه عَلِمَ أن رواية قتيبة مصرح فيها بذكر النبي ﷺ، ولم يُبين ذلك، وسوى بين روايته ورواية يحيى التي لم يَذْكُرْ فيها النبي ﷺ.
فإن قيل: نَفْرِضُ أَنَّ عن قتيبة روايتين:
إحداهما: رواية مسلم: (وقت لنا).
(١) من قوله: «أنه حدثه به، واقتصر … » إلى هنا مَمْحُو أكثره من أصل بيان الوهم والإيهام (٥/ ٣٢٢ - ٣٢٣) على ما ذكر محقّقه، وأثبت بدلًا منه بين حاصرتين ما ذكر أنه أتمه من السياق. (٢) قتيبة بن سعيد تقدمت ترجمته قريبًا. أما يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي، أبو زكريا النيسابوري، قال الإمام أحمد: كان ثقة وزيادة. وقال إسحاق بن راهويه: يحيى بن يحيى أثبت من عبد الرحمن بن مهدي. وقال النسائي: ثقة ثبت. وقال مرة: الثقة المأمون. وقد ذكر الإمام أحمد يحيى بن يحيى، فقال: بخ بخ بخ. ثم ذكر قتيبة، فأثنى عليه، ثم قال: إلا أن يحيى شيء آخر، وقدمه عليه. إلا أنه لم يكن من المكثرين في رواية الحديث، وقد أخرج له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. ينظر: تهذيب الكمال (٣١/ ٣٢) ترجمة رقم: (٦٩٤٣)، وتهذيب التهذيب (١١/ ٢٩٨)، وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (٢/ ٣٧٨) ترجمة رقم: (٦٢٦٤): «أحد الأعلام، ثبت فقيه صاحب حديث، وليس بالمكثر جدًا، قال أحمد: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله»، وقال الحافظ في تقريب التهذيب (ص ٥٩٨) ترجمة رقم: (٧٦٦٨): «ثقة ثبت إمام». (٣) بالتتبع والنظر في ترجمتي قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى، يظهر أن يحيى يُقدم على قتيبة.