جهة الإسناد، لا من جهة مسلم وأبي عيسى أنفُسِهما، وهذا لو عناه كان باطلا، فإنهما لم يتعارض ما نقلاه، بل يُقبل من الحافظ ما زاد مما لم يحفظ غيره.
والترمذي أحد الأئمة الحفاظ المتقنين، وقد جهل من جهله كما اعترى أبا محمد ابن حزم فيه، وقد شهد له بالإمامة - زيادة إلى ما يعرف الناس من حاله - جماعة ممن عرض لذكر أمثاله.
وذكره في جملة الأئمة الدارقطني والحاكم وغيرهما (١)، وإذا لم يصح له أن يكون هذا مَعْنِيه، فقد عُريَ كلامُه من المعنى وخلاف الفائدة.
وإسناد الحديث عند الإمامين واحد، فلا معنى لقوله: إن حديث مسلم أعلى إسنادا.
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة كلاهما عن جعفر، قال يحيى: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجَوْنِي، عن أنس قال:«وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفارِ، ونَتْفِ الإبط، وحلق العانة ألا يُترك أكثر من أربعين ليلةً».
فهذا مسلم قد قرن بين يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، ولم يتخلَّ عن قتيبة، بل أورد الحديث عنهما، وأخبر أن يحيى يقول: حدَّثنا، فأردنا أن نعرف زيادة الترمذي، فإذا به قد قال: حدثنا قتيبة، حدَّثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك، قال:«وَقَت لنا رسول الله ﷺ في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط ألا يُترك أكثر من أربعين يومًا».
فهذا هو إسناد مسلم (٢)، وفيه أن قتيبة قال:«حدثنا»، كما قاله يحيى بنُ يحيى، على أنه لا يُعرف له تدليس (٣)، فليس ينبغي أن يلتمس منه أن يقول: حدثنا،
(١) ينظر: كلام ابن حزم فيه وكلام الأئمة الآخرين في تذكرة الحفاظ، للذهبي (١/ ١٥٤ - ١٥٥). (٢) كذا في النسخة الخطية: (مسلم)، ومثله في بيان الوهم والإيهام (٥/ ٣٢٢)، ولعل صوابه أن يقول: (فهذا هو إسناد الترمذي)؛ وكلامه السابق قبل هذا والآتي بعده يدل على ذلك. (٣) قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي، أبو رجاء البلخي، يُقال: اسمه يحيى، وقتيبة لقب، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وزاد النسائي: صدوق. وكان مكثرًا، أخرج له الجماعة. ينظر: تهذيب الكمال (٢٣/ ٥٢٣) ترجمة رقم: (٤٨٥٢)، وقال الحافظ في تقريب التهذيب (ص ٤٥٤) ترجمة رقم: (٥٥٢٢): «ثقة ثبت»، وروايته بالعنعنة في الصحيحين كثيرة؛ إذ لا يُعرف له تدليس كما نقله المصنف ﵀.