ومما (١) ينبغي أن يحذر في كتابه؛ سكوته عن مصححات الترمذي، وما أخرجه البخاري أو مسلم (٢)؛ فإنه قد يكون الحديث منها من رواية من هو عنده ضعيف، أو
(١) بيان الوهم والإيهام (٥/ ٥٠٣). (٢) من المستقر في أذهان المسلمين عامة، وطلبة العلوم الشرعية خاصة؛ أن صحيحي البخاري ومسلم هما أصح كتابين بعد كتاب الله ﷿، كونهما احتويا على أرقى شروط الصحة، ولدقة الشيخين فيهما، وقد تتابع علماء الحديث على تأكيد هذه الحقيقة جيلا بعد جيل، وعظمت عنايتهم بهما، وصنفوا عشرات المصنفات المتعلقة بهما متنا وسندا، ولم يألوا جهدا في استخراج المسائل الدالة على تفوق هذين الإمامين وبراعتهما في علم الحديث، وفيما يأتي بعض أقوال الأئمة والحفاظ التي تصرح بذلك: قال الإمام العقيلي كما في هدي الساري (١/ ٧): «لما ألف البخاري كتاب الصحيح، عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلى ابن المديني وغيرهم، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة، إلا في أربعة أحاديث. قال العقيلي والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة». وقال الإمام الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح في مقدمته (ص ١٧ - ١٨): «أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري … وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز». وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (١/ ١٤): «اتفق العلماء ﵏ على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث». وقال الإمام النووي أيضا في كتابه تهديب الأسماء واللغات (١/ ٧٤): «وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين، ووجوب العمل بأحاديثهما». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٨/ ٧٤): «وأما كتب الحديث المعروفة: مثل البخاري ومسلم؛ فليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن». وقال أيضا فيه (٢٠/ ٣٢١): «الذي اتفق عليه أهل العلم: أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من كتاب البخاري ومسلم، وإنما كان هذان الكتابان كذلك لأنه جرد فيهما الحديث الصحيح المسند، ولم يكن القصد بتصنيفهما ذكر آثار الصحابة والتابعين، ولا سائر الحديث من الحسن والمرسل وشبه ذلك، ولا ريب أن ما جرد فيه الحديث الصحيح المسند عن رسول الله ﷺ فهو أصح الكتب؛ لأنه أصح منقولا عن المعصوم من الكتب المصنفة». وقال الحافظ بدر الدين العيني في عمدة القاري (١/ ٥): «اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم». وقال إمام الحرمين الجويني كما في صيانة صحيح مسلم (ص ٨٦): «لو حلف إنسان بطلاق امرأته: أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي ﷺ، لما ألزمته =