ثم أخبر عنهم، وزاد في الاحتجاج عليهم، فقال:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا}؛ أي: مُتَغَيِّرًا {وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧)} يعني مكروبًا من الحزن والغيظ، و {وَهُوَ كَظِيمٌ} أيضًا: حابسٌ رِيقَهُ من الغَمِّ، يقال: كَظَمَ رِيقَهُ، فهو كاظِمٌ وكَظِيمٌ، والرِّيقُ مَكْظُومٌ.
ثم وَبَّخَهُمْ بما افْتَرَوْهُ، فقال تعالى:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} هو مأخوذ من: أنْشَأهُ اللَّهُ، أي: ابْتَدَأ خَلْقَهُ، قرأ أهل الكوفة إلّا أبا بكر بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين على غير تسمية الفاعل؛ أي: يُرَبَّى في الحُلِيِّ، يعني: البنات، وهو رَدِيءٌ؛ لأنه لَمْ يُحْكَ في اللغة: نَشَّأ بمعنى أنْشَأ، إلّا أن يقال: إنه في القياس مثل: بَلَّغَ وأبْلَغَ، وفَرَّحَ وأفْرَحَ (٢).
(١) الإسراء ٤٠. (٢) هذا معنى كلام الفارسي في الحجة ٣/ ٣٦٩، ولكن الفارسي لَمْ يقل: إن "نَشَّأ" رَدِيءٌ، وإنما ذكر أنه يمكن أن يكون قياسًا على فَرَّحَ وأفْرَحَ، وغَرَّمَ وأغْرَمَ، وقال ابن خالويه: "فأنْشَأْتُ ونَشأْتُ بمعنًى: إذا رَبَّيْتَ، يقال: قد نَشَأ فلانٌ ونَشَّأهُ غَيْرُهُ". إعراب القراءات السبع ٢/ ٢٩٣، وينظر: الوسيط ٤/ ٦٧. (٣) قرأ أبو بكر عن عاصمٍ، وابنُ كثير ونافعٌ وأبو عمرو وابنُ عامرٍ وأبو جعفر ويعقوبُ: {يَنْشَأُ} بالتخفيف مبنيًّا للفاعل، وقرأ ابنُ عباسٍ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ والحَسَنُ، وحفصٌ عن عاصمٍ، وحمزةُ والكسائيُّ وخَلَفٌ والأعمشُ ومجاهدٌ والجحدريُّ والمفضلُ وأبانٌ، وأبو عمرو=