وقوله:{أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كَلَّمَ موسى عليه السّلام {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} جبريلَ عليه السّلام أو غَيْرَهُ من الملائكة {فَيُوحِيَ} ذلك الرسولُ إلى المُرْسَلِ إليه {بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} قرأ نافع وشيبة: {أوْ يُرْسِلُ} برفع اللام على الابتداء والاستئناف، أي: وهو يرسلُ (١)، والوقف كافٍ على ما قبله (٢)، {فَيُوحِيْ} بإسكان الياء (٣)، وقرأ الباقون بنصب اللام والياء، عطفًا بها على محل الوحي، لأن معناه: وما كان لِبَشَرٍ أن يكلمه اللَّهُ إلا أنْ يُوحِيَ إليه وَحْيًا، أو يُرْسِلَ رَسُولا (٤).
نزلت هذه الآية في اليهود (٥)، وذلك أنهم قالوا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألَا تُكَلِّمُ اللَّهَ وتَنْظُرُ إليه إن كُنْتَ نَبِيًّا صادقًا، كما كَلَّمَهُ موسى ونَظَرَ إليه؟ فَإنّا لَنْ نُؤْمِنَ لك حتى يفعل اللَّهُ لك ذلك كما فَعَلَ لِمُوسَى، فقال لهم:"لَمْ يَفْعَلْ ذلك لِمُوسَى"، ونزلت هذه الآية إلى قوله:{إِنَّهُ عَلِيٌّ}؛ أي: رفيع فوق خلقه {حَكِيمٌ (٥١)} فِي أمره.
(١) هذا ما قاله سيبويه في توجيه قراءة الرفع، وَشَبَّهَ الرفعَ في الآية بقول الأعشى: إنْ تَرْكَبُوا فَرُكُوبُ الخَيْلِ عادَتُنا... أوْ تَنْزِلُونَ فَإنّا مَعْشَرٌ نُزُلُ الكتاب ٣/ ٥٠ - ٥١. (٢) يعني أن الوقف على قوله: "حِجابٍ"، ثم تبتدئ: "أوْ يُرْسِلُ رَسُولًا"، وهذا على قراءة الرفع، ينظر: الوسيط للواحدي ٤/ ٦١. (٣) قرأ نافع وشيبةُ، وابنُ عامر من طريق ابن ذكوان، والزهريُّ وأبو جعفر وهشامٌ: "أوْ يُرْسِلُ. . فَيُوحِي" بالرفع فيهما، وقرأ الباقون بالنصب، ينظر: السبعة ص ٥٨٢، تفسير القرطبي ١٦/ ٥٣، البحر المحيط ٧/ ٥٠٤، الإتحاف ٢/ ٤٥١. (٤) هذا ما قاله سيبويه في توجيه قراءة النصب، ينظر: الكتاب ٣/ ٤٩. (٥) ينظر: الكشف والبيان ٨/ ٣٢٥ - ٣٢٦، أسباب النُّزُولِ ص ٢٥٢، زاد المسير ٧/ ٢٩٧، تفسير القرطبي ١٦/ ٥٣.