والاقتراف: الاكتساب يكون خيرًا ويكون شَرًّا (١)، والمُقارَفةُ أيضًا: المُجامَعةُ، ومنه حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "أنّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُصْبِحُ جُنُبًا من قِرافٍ غَيْرِ الاحتلامِ"(٢)، قال ابن زيد: ويقال: قَرِفَ فلانٌ عَلَيْكَ: إذا كَذَبَ عليك، وذَكَرَ منكَ ما ليس فيك من القَبِيحِ، وأصله من: قَرَفْتُ الشَّيءَ: إذا كَشَفْتَ عنه، كقولك: قَرَفْتُ الجِلْدَ، وهو من الاعتمال في الاكتساب (٣){إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} للذنوب {شَكُورٌ (٢٣)} للقليل حتى يضاعفه.
قوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ} يعني كفار مكة؛ أي: بل يقولون {افْتَرَى} محمد {عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} حين زعم أن القرآن من عند اللَّه {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} شرط وجزاء؛ أي: يربط على قلبك بالصبر حتى لا يَشُقَّ عليك أذاهم. ثم ابتدأ فقال:{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} قال الكسائي (٤): فيه تقديم وتأخير، مَجازُهُ: واللَّه يَمْحُو الباطلَ، فحُذِفَتْ منه الواوُ فِي المصحف، وهو فِي موضع رفع، كما حُذِفَتْ من قوله:{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}(٥)، وقولِهِ:{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ}(٦) على اللفظ.
(١) قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص ٤٥٧. (٢) الحديث بهذا اللفظ في غريب الحديث لأبِي عبيد ٤/ ٣٢٣، والصحاح ٤/ ١٤١٦، والفائق للزمخشري ٣/ ٩٠، والنهاية لابن الأثير ٤/ ٤٦، ورواه الإمام أحمد عن السيدة عائشة والسيدة أم سلمة، رضي اللَّه عنهما، بلفظ "مِنْ جِماعٍ غَيْرِ احْتِلامٍ". المسند ٦/ ٣٦، ٢٩٠، ٣١٢، وينظر: صحيح مسلم ٣/ ١٣٨ كتاب الصيام باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جُنُبٌ. (٣) هذه المعانِي ذكرها الجوهري في الصحاح ٤/ ١٤١٥، وينظر: اللسان: قرف، التاج: قرف. (٤) ينظر قوله في الكشف والبيان للثعلبي ٨/ ٣١٤ - ٣١٥، وزاد المسير ٧/ ٢٨٦، وتفسير القرطبي ١٦/ ٢٥. (٥) العلق ١٨. (٦) الإسراء ١١، ومعنى كلامه أن الفعل "يَمْحُ" مرفوع لأنه كلام مستأنف، وليس معطوفًا =