قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} نصبٌ على المصدر؛ أي: وما عَظَّمُوا اللَّهَ حَق عَظَمَتِهِ حين أشركوا به غَيْرَهُ، ثم أخبر عن قدرته وعظَمته، فقال:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: مِلْكُهُ بلا مانع ولا مُنازِعٍ، وهي اليوم أيضًا مِلْكُهُ، ونظيرها قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}(١) و {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}(٢).
وقال الأخفش (٣): هذا كما يقال: خُراسانُ في قَبْضةِ فُلانٍ، ليس أنها في كَفِّهِ، وإنما معناه: أنها ملكه، {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} قرأه العامة: "مَطْوِيّاتٌ" بالرفع على الابتداء والخبر، وقرأ عيسى بن عمر بالكسر (٤)، ومحلها النصب على الحال أو القطع، وكذلك أجاز الفراء والكسائي (٥) والزجاج: "مَطْوِيّاتٍ" بكسر التاء، قال الزجّاج (٦): على الحال.
وذِكْرُ اليمين للمبالغة فِي الاقتدار، وقيل: هو بمعنى القُوّةِ، وقيل: اليمين
(١) الفاتحة ٤. (٢) غافر ١٦. (٣) هذا معنى كلام الأخفش، فقد قال: "وقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: ٦٧] يقول: في قدرته، نحو قوله: "وَما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ"، أي: وما كانت لكم عليه قدرةٌ، وليس المِلْكُ لليمين دون الشمال وسائرِ البَدَنِ، وأما قوله:، "قَبْضَتُهُ" نحو قولك للرجل: هذا في يدك وفي قبضتك". معانِي القرآن ص ٤٥٧. (٤) وقرأ بها عاصم الجَحْدَرِيُّ أيضًا، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٣٢، البحر المحيط ٧/ ٤٢٢. (٥) قال الفراء: "وينصب المَطْوِيّات على الحال أو على القطع، والحال أجود". معانِي القرآن للفراء ٢/ ٤٢٥، وينظر قول الكسائي في إعراب القرآن للنحاس ٤/ ٢٢. (٦) معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٣٦١.