مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لأهل التوحيد، ومَثَلُ الذي عَبَدَ الآلهةَ مَثَلُ صاحب الشركاء المُتَشاكِسِينَ؛ أي: المُخْتَلِفِينَ العَسِرِينَ الأخلاقَ (١).
ثم قال:{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} يعني المؤمنَ الذي لا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ وَحْدَهُ، والكافرَ الذي يَعْبُدُ آلِهةً شَتَّى، وهذا استفهامٌ معناه الإنكارُ، أي: لا يستويان، وإنما لَمْ يَقُلْ: مَثَلَيْنِ لأنهما جميعا ضُرِبا مَثَلًا واحدًا (٢)، يعني أن إرضاء الواحد أسهل من إرضاء الفِئةِ، ونصب {مَثَلًا} على التفسير.
وَتَمَّ الكلامُ، ثم قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ أي: له الحمد كله دون غيره من المعبودين {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩)} ما يصيرون إليه من العقاب، والمراد بالأكثر الكُلُّ.
ثم أخْبَرَ نَبيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه يموت، وأن هؤلاء الذين يكذبون يموتون، ويجتمعون للخصَومة عند اللَّه، وهو قوله تعالى:{إِنَّكَ} يا محمد {مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} قال الحسن والفراء والكسائي (٣): المَيِّتُ بالتشديد: مَنْ لَمْ
(١) من أول قوله: "وهما مصدران وصف بهما"، قاله أبو بكر السجستانِيُّ فِي تفسير غريب القرآن ص ١٣٥. (٢) قاله الفراء في معانِي القرآن ٢/ ٤١٩، وينظر أيضًا: عين المعانِى ورقة ١١٥/ أ. (٣) قول ثلاثتهم في الكشف والبيان ٨/ ٢٣٤ وتفسير القرطبي ١٥/ ٢٥٤، ولم أقف على قول الفراء في المعانِي، وقال الزجاج: "وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣]، أصله: المَيّتةُ بالتشديد، إلا أنه مخفف، ولو قرئت: "المَيّتةُ" لَجازَ، يقال: مَيِّتٌ ومَيْتٌ، والمعنى واحد، وقال بعضهم: المَيِّتُ يقال لِما لَمْ يَمُتْ، والمَيْتُ لِما قد مات، وهذا خطأ، إنما مَيِّتٌ يصلح لِما قد مات ولَما سيموت، قال اللَّه تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)} [الزمر: ٣٠]، وقال الشاعر في تصديق أن المَيِّتَ والمَيْتَ بمعنى واحد: لَيْسَ مَنْ ماتَ فاسْتَراحَ بِمَيْتٍ... إنّما المَيْتُ مَيِّتُ الأحْياءِ =