قوله تعالى:{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} نزلت فِي أبِي جهلٍ، قال الكلبي (١): يُنْطَلَقُ به إلى النار مغلولًا، فإذا رَمَتْ به الخَزَنةُ فيها لَمْ يَتَّقِها بِأوَّلَ مِنْ وَجْهِهِ. قال الزجّاج (٢): والمعنى: أفمن يتقي بوجهه سُوءَ العذاب كمن يدخل الجنة؟.
ومَحَلُّ "مَنْ" رفعٌ بالابتداء، وخبره مضمرٌ فيه، تقديره: كَمَنْ ليس بهذه الصفة، وكَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإسلامِ (٣).
قوله تعالى:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ} يعني أهل مكة {فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧)} لكي يتعظوا بما فيه {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} قيل: غير ذِي لَحْنٍ، وقيل: غير مختلفٍ، ولكنه مستقيم {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)} وقيل: غير مخلوقٍ، وفِي هذا رَدٌّ على من يقول بِخَلْقِ القرآن، وتكذيبٌ له.
ونصب {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} على الحال، وقيل: على القطع، وقيل: على معنى: أنزلناه قراَنًا عَرَبِيًّا، فيكون أيضًا منصوبًا على الحال، وقيل (٤): {عَرَبِيًّا} منصوبٌ على الحال، و {قُرْآنًا} تَوْطِئةٌ للحال، كما تقول: مررت بِزَيْدٍ رجلًا صالِحًا، فقولك: صالِحًا منصوب على الحال.
(١) ينظر قوله في الوسيط للواحدي ٣/ ٥٧٩. (٢) قال الزجاج: "هذا مِمّا جَوابُهُ مَحْذُوفٌ، المعنى: كَمَنْ يَدْخُلُ الجَنّةَ". معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٣٥٢. (٣) هذا شرح وتوضيح لِما قاله الزجاج، وقال الأخفش: "وقال: "أفَمَنْ يَتقِي بِوَجْهِهِ"، فهذا لَمْ يظهر له خبر في اللفظ، ولكن المعنى، واللَّه أعلم، كأنه: أفمن يتقي بوجهه أفضلُ أم مَنْ لا يَتَّقِي". معاني القرآن ص ٤٥٦. (٤) هذا قول الزجاج والأخفش الأصغر، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٢٥٩، وقول الأخفش الأصغر حكاه النحاس عنه في إعراب القرآن ٤/ ١٠، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٢٥٩.