لقوله:{جَزَيْنَاهُمْ} ولَمْ يقل: جُزُوا، وأدغم الكسائيُّ اللامَ في النون على أصله، وقرأ الباقون (١) بياءٍ مضمومةٍ وفتح الزاي ورفع الراء على اسم ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ، ومعنى الآية: وهل يُجازَى مثلَ هذا إلا الكفورُ؟.
قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} عطفٌ على قوله: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ}، يعني: وكان من قصتهم أن جعلنا بينهم، يعني: بين أهل سبأ {وَبَيْنَ الْقُرَى} يعني الأرض المقدسة والأردن وفلسطين {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بالشجر والماء {قُرًى ظَاهِرَةً} يعني: متقاربة {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا}؛ أي: وقلنا لهم: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا}، وهما ظرفان للسير {آمِنِينَ (١٨)} يعني: من الجوع والعطش والسِّباعِ، وهو منصوبٌ على الحال.
قوله تعالى:{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}؛ أي: اجعل بيننا وبين الشام فَلَواتٍ ومَفاوِزَ؛ لِنَزكَبَ فيها الرَّواحِلَ، ونَتَزَوَّدَ إليها الأزْوادَ، فعَجَّلَ لهم الإجابةَ.
واختلف القراء في هذه الآية (٢)، فقرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرٍو:"رَبُّنا بَعِّدْ" على وجه الدعاء والسؤال من التبعيد، وهي رواية هشامٍ عن قُرّاءِ الشامِ،
(١) وأبو بكر عن عاصم: "يُجازَى إلّا الكَفُورُ"، ينظر: السبعة ص ٥٢٨ - ٥٢٩، تفسير القرطبي ١٤/ ٢٨٨، النشر ٢/ ٣٥٠، الإتحاف ٢/ ٣٨٥. (٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام وابن محيصن واليزيديُّ وابن عباس وابن يعمر وعيسى بن عمر: "رَبَّنا بَعِّدْ"، ورُوِيتْ عن ابن عامر، وقرأ يعقوب وابن الحنفية وابن عباس وأبو رجاء والحسن وزيد بن عَلِيٍّ وأبو حيوة ونصر بن عاصم: "رَبُّنا باعَدَ"، وقرأ الباقون وابن ذكوان عن ابن عامر: "رَبَّنا باعِدْ". ينظر: السبعة ص ٥٢٩، الحجة للفارسي ٣/ ٢٩٥ - ٢٩٦، المحتسب ٢/ ١٨٩ - ١٩٠، تفسير القرطبي ١٤/ ٢٩٠ - ٢٩١، البحر المحيط ٧/ ٢٦٢، النشر ٢/ ٣٥٠، الإتحاف ٢/ ٣٨٥ - ٣٨٦.