وقوله:{هُنَالِكَ} نصب على الظرف؛ أي: عند ذلك وفي تلك الحال {ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أي: اخْتُبِرُوا بالقتل والحَصْرِ؛ ليُعْلَمَ المؤمنُ المخلص من المنافق، {وَزُلْزِلُوا} حُرِّكُوا وخُوِّفُوا وأُزْعِجُوا {زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١)}؛ أي: تحريكًا وإزعاجًا شديدًا، يعني: وجُهِدُوا جَهْدًا شديدًا، والزلزال: الشدائد، وأصله التحريك، قرأ عاصم الجحدري:"زَلْزالًا"(١) بفتح الزّاي، وقرأ الباقون بالكسر، وهما مصدران (٢).
قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} يعني: من المنافقين {يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ}؛ أي: لا مَساكِنَ لكم، قرأه العامة:"لا مَقامَ" بفتح الميم الأُولَى؛ أي: لا مكان لكم تقيمون فيه، وقرأ السُّلَمِيُّ بضم الميم (٣)؛ أي: لا إقامة لكم، وهي رواية حفص عن عاصم، يقال: أقَمْتُ إقامةً ومُقامًا.
ويَثْرِبُ: المدينة، ولذلك لَمْ تنصرف، وقال أبو عبيدة (٤): يثرب: اسم أرضٍ، ومدينةُ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في ناحية منها.
(١) وهي أيضًا قراءة عيسى بن عمر، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١١٩، تفسير القرطبي ١٤/ ١٤٧، البحر المحيط ٧/ ٢١١. (٢) قال الزجاج: "ويجوز "زَلْزالًا" بفتح الزاي، والمصدر من الرباعي يجيء على ضربين: فِعْلالٍ وفَعْلالٍ نحو: قَلْقَلَهُ قِلْقالًا وقَلْقالًا، وزَلْزَلْتُهُ زِلْزا، وَزَلْزالًا، والكسر أكثر وأجود؛ لأن غير المضاعف من هذا الباب مكسور الأول نحو: دَحْرَجْتُهُ دِحْراخًا، لا يجوز فيه غير الكسر". معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٢١٨ - ٢١٩، وذهب الفراء إلى أن الزِّلْزالَ بالكسر المصدر، وبالفتح الاسم، ينظر: معانِي القرآن ٣/ ٢٨٣، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة ١٣/ ١٦٦. (٣) قرأ السُّلَمِيُّ، وحَفْصٌ عن عاصمٍ، والجحدريُّ وأبو حيوة والأعرجُ واليمانِيُّ: "الا مُقامَ" بضم الميم، ينظر: السبعة ص ٥٢٠، حجة القراءات ص ٥٧٤، تفسير القرطبي ١٤/ ١٤٨، البحر المحيط ٧/ ٢١٢، الإتحاف ٢/ ٣٧١. (٤) مجاز القرآن ٢/ ١٣٤.