وجميع الفُسّاقِ، قال الفرَّاء (١): إن الاثنين إذا لم يكونا مَصْمُودَيْنِ لهما ذُهِبَ بهما مذهبَ الجمع. وقال الزَّجّاج (٢): معنى الاثنين: جماعة، ولذلك قال:{لَا يَسْتَوُونَ}.
نزلت هذه الآية في علِيِّ بن أبي طالب -كرم اللَّه وجهه- وفي الوليد ابن عُقبةَ بن أبي مُعَيْطٍ، وذلك أنه جَرَى بينهما تنازُعٌ وسِبابٌ، فقال الوليد لِعَلِيٍّ: اسْكُتْ فإنك صَبِيٌّ، وأنا -واللَّه- أَبْسَطُ منك لسانًا، وأَحَدُّ سِنانًا، وأشجع منك جَنانًا، وأَمْلأُ منك حَشْوًا في الكتيبة (٣)، فقال له عَلِيٌّ -كَرَّمَ اللَّهُ وجهه-: اسْكُتْ فإنك فاسق، فأنزل اللَّه تعالى:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} يعني: عَلِيًّا {كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} يعني: الوليد بن عتبة، {لَا يَسْتَوُونَ}(٤)، قال قتادة: لا -واللَّهِ- ما اسْتَوَوْا فِي الدنيا ولا عند الموت ولا فِي الآخرة.
ثم أخبر عن منازل الفريقين، فقال تعالى:{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى} يعني: جنات السُّكُونِ والقَرارِ يَأْوُونَ إليها في الآخرة، فلا يخرجون منها أبدًا، يقال: أَوَيْتُ إلى المكان، وقيل: سُمِّيَتْ جنات المأوى لأنه تَأْوِي إليها أرواحُ الشهداء، وقُرِئَ:{جَنَّةُ الْمَأْوَى}(٥) على واحِدِهِ. {نُزُلًا} يعني: ثوابًا وعطاءً {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩)} من الصالحات في
(١) معاني القرآن ٢/ ٣٣٢، وقوله: "مصمودين" يعني: مقصودين. (٢) معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٢٠٨ باختلاف في ألفاظه. (٣) السِّنانُ: حديدة الرمح، الجَنانُ: القلب، حَشْوُ الرجل: نفسه. (٤) رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء ٦/ ١١٨، وينظر: الكشف والبيان ٧/ ٣٣٣، الوسيط ٣/ ٤٥٤، أسباب النزول ص ٢٣٥، ٣٣٦، عين المعاني ١٠٢/ أ، تاريخ بغداد ١٣/ ٣٢٣. (٥) قرأ طلحة بن مصرف وحده: {جَنَّةُ الْمَأْوَى} بالإفراد، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١١٩.