قوله تعالى:{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} يعني: إنزال المطر، يعني: إلى حُسْنِ تَأْثِيرِهِ في الأرض. قرأ أهل الشام وأهل الكوفة إلا أبا بكر:{آثارِ} بالألف على الجمع، وقرأ الباقون:{أَثَرِ}(١) على الواحد، فمن أفرد فلأنه مضاف إلى مفرد، ومن جَمَعَ جاز له؛ لأن رحمة اللَّه يجوز. أن يراد بها الكثرة، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}(٢)، وأَثَرُ رحمة اللَّه هو النبات، وهو أثر المطر، والمطر رحمة اللَّه ونعمته على خلقه.
وقوله:{كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}؛ أي: انظر كيف يجعلها تنبت بعد أن لم يكن فيها نَبْتٌ، {إِنَّ ذَلِكَ} الذي جعل ما ترَوْنَ وهو اللَّه تعالى {لَمُحْيِ الْمَوْتَى} في الآخرة، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: قادر على ما يشاء من الموت والبعث.
قوله تعالى:{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} يعني ريحًا باردة مُضِرّةً، فأفسدتْ ما أَنْبَتَ الغَيْثُ، والريح إذا أتت على لفظ الواحد أُرِيدَ بها العذابُ، ولِهَذا كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عند هبوب الريح:"اللَّهُمَّ اجْعلْها رِياحًا ولا تَجْعَلْها رِيحًا"(٣).
وقوله:{فَرَأَوْهُ} يعني: الزرع والنبات، كناية عن غير مذكور (٤)،
(١) ينظر: السبعة ص ٥٠٨، الحجة للفارسي ٣/ ٢٦٩، ٢٧٠، حجة القراءات ص ٥٦١، الوسيط ٣/ ٤٣٧، البحر المحيط ٧/ ١٧٤، النشر في القراءات العشر ٢/ ٣٤٥، إتحاف فضلاء البشر ٢/ ٣٥٨، ٣٥٩. (٢) من الآية ٣٤ من سورة إبراهيم ومن الآية ١٨ من سورة النحل. (٣) هذا جزء من حديث رواه الطبرانِيُّ بسنده عن ابن عباس في المعجم الكبير ١١/ ١٧٠، ١٧١، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/ ١٣٥/ كتاب الأذكار: باب ما يقول إذا هاجت الريح، وينظر: الجامع الصغير ٢/ ٣٥٢، الدر المنثور ١/ ١٦٥. (٤) قاله الفرَّاء وأبو عبيدة والزَّجّاج، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء ٢/ ٣٢٦، مجاز القرآن ٢/ ١٢٥، معاني القرآن وإعرابه ٤/ ١٨٩، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ١٨٠، الفريد ٣/ ٧٦٤.