فإن قيل: ما وجه قوله تعالى: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}، وإنما العُصْبةُ التي تنوءُ بِها؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: تَمِيلُ بهم ويُثْقِلُهُم حَمْلُها (١)، والآخَر، وهو قول أهل البصرة: أن العرب تفعل هذا، يقولون للمرأة: إنها لَتَنُوءُ عَجِيزَتُها، وإنما هو: تَنُوءُ بِعَجِيزَتها كما ينوء البعيرُ بحمله (٢)، قال الشاعر:
٩٧ - فَدَيْتُ بِنَفْسِهِ نَفْسِي ومالي... وما آلُوكَ إلّا ما أُطِيقُ (٣)
والمعنى: فديت بنفسي ومالي نَفْسَهُ، وقال آخر:
(١) قاله الفرَّاء وابن قتيبة والطبري والنَّحاس، ومعناه أن الباء في {بِالْعُصْبَةِ} للتعدية كالهمزة، والمعنى: لَتُنِيءُ المَفاتِحُ العُصْبةَ الأقوياءَ، ولا قلب في الكلام، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء ٢/ ٣١٠، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٣٣٤، جامع البيان ٢٠/ ١٣٣، ١٣٤، معاني القرآن وإعرابه ٤/ ١٥٥، إعراب القرآن ٣/ ٢٤٢، ومعاني القرآن للنَّحاس ٥/ ١٩٩، وينظر أيضًا: الإيضاح العضدي ص ١٩٥، الفريد للهمداني ٣/ ٧٢٥، البحر المحيط ٧/ ١٢٧، الدُّر المصون ٥/ ٣٥٢. (٢) يعني أن في الكلام قلبًا، قاله الأخفش في معاني القرآن ص ٤٣٤، وأبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ١١٠، والمبرِّد في كتابه "ما اتفق لفظه واختلف معناه" ص ٣٨، وينظر: الجمل المنسوب للخليل ص ٥٠، الأصول لابن السراج ٣/ ٤٦٥. (٣) البيت من الوافر للعباس بن مِرْداس يمدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في ملحقات ديوانه، وروايته فيه: وما آلُوُه إلّا ما يُطِيقُ ونُسِبَ لِعُرْوةَ بنِ الورد العبسي، وهو في ملحقات ديوانه أيضًا. اللغة: آلُوكَ: أُعْطِيكَ، وهو مقلوب المعنى، والمراد: فديت بنفسي ومالي نفسَه ومالَه. التخريج: ملحق ديوان العباس بن مرداس ص ١١٩، شعر عروة بن الورد ص ١٢٧، مجاز القرآن ٢/ ٧٩، ١١٠، جامع البيان ٢٠/ ١٣٢، أمالي المرتضى ١/ ٢١٧، الأضداد لابن الأنباري ص ١٠٠، الكشف والبيان ٧/ ٢٦١، المحرر الوجيز ٤/ ٢٩٩، زاد المسير ٦/ ٢٤٠، اللسان: تيز، مغني اللبيب ص ٩١٣، شرح شواهد المغني ص ٩٧٢.