فأصبتُ، وِإنَّ هذه لم تعرف عَدَدَها، فصار غَيْبًا، ولا يعلم الغيبَ إلّا اللَّهُ (١).
ورُوِيَ عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: من زعم أنه يعلم ما في غَدٍ، فقد أَعْظَمَ الفِزيةَ، واللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يقول:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}(٢).
قوله:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} قال ثعلبٌ (٣): معناه: تَدارَكَ عِلْمُهُم بالظن أن القيامة تكون أو لا تكون. قال أبو عمرو (٤): "بل": استفهام. وقال غيره (٥): "بل": إيجاب، والاستفهام في هذا الموضع إنكار؛ أي: لم يكن ذلك، كما قال تعالى:{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}(٦)؛ أي: لم يشهدوا.
قرأ أبو جعفرٍ ومجاهدٌ وحُميد وابن كثير وأبو عَمْرو ويعقوب:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} من الإدراك؛ أي: لم يدركوا علمَ الآخرة، وقرأ الحسن ويحيى بن
(١) ينظر: الكشف والبيان ٧/ ٢٢٠، تفسير القرطبي ٤/ ٢٩٠، ١٣/ ٢٢٦. (٢) هذا جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه ١/ ١١٠، كتاب الإيمان/ باب معنى قول اللَّه، عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، والترمذي في سننه ٤/ ٣٢٨ أبواب تفسير القرآن/ سورة الأنعام. (٣) لم أعثر عليه، وقد قاله الفرَّاء من قبله في معاني القرآن ٢/ ٢٩٩، وحكاه الأزهري عن السُّدِّيِّ وأَبي معاذ الضرير في تهذيب اللغة ١٠/ ١١٢. (٤) الذي حُكِيَ عن أبِي عمرو أن "بَلْ" إيجاب، قال النَّحاس: "وقرأ ابن محيصن: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ}، وأنكر هذا أبو عمرو، قال: لأن "بَلْ" لا يقع بعدها إلا إيجاب". معاني القرآن للنَّحاس ٥/ ١٤٦، وينظر أيضًا: جامع البيان ٢٠/ ٩. (٥) هو أبو حاتم كما في البحر المحيط ٧/ ٨٧، والدُّر المصون ٥/ ٣٢٤، وهو قول أبي عمرو كما في تقدم فى الحاشية السابقة. (٦) الزخرف ١٩.