واختلف القُرّاءُ في قوله:{وَيَجْعَلْ}، فَرَفَعَ لَامَهُ: ابنُ كثير وابنُ عامر وعاصمٌ برواية أبِي بكرٍ والمُفَضَّلِ: على الاستئنافِ (١)، وجَزَمَهُ الآخَرون: عطفًا على محلِّ الجزاء في قوله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ}، وهو في موضع جَزْم، وإن كان لفظه منصوبًا (٢)؛ لأنه جوابُ الشرط، وهو قوله:"إِنْ شاءَ"، وأجاز الفَرّاء النصب على الصَّرف (٣).
قوله تعالى:{إِذَا رَأَتْهُمْ} يعني: نارَ السعير {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} قيل: من مسيرةِ مائة عام {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا}؛ أي: غَلَيانًا وفَوْرًا، كالغضبان إذا غَلَى صدرُه من الغضب {وَزَفِيرًا (١٢)} يعني: صوتًا، قال قُطْرُبٌ (٤): التَّغَيُّظُ لا يُسْمَعُ، وإنما المعنى: رأَوْا لها تغيُّظًا، وسَمِعوا لها زفيرًا، قال الشاعر:
(١) وقرأ برفعه أيضًا ابنُ محيصن ومجاهدٌ وحُمَيْدٌ، وأبو عمرو في رواية محبوب عنه، ينظر: السبعة ص ٤٦٢، إعراب القراءات السبع ٢/ ١١٦، الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ١٤٤، حجة القراءات ص ٥٠٨، البحر المحيط ٦/ ٤٤٤. (٢) يعني مبنيًّا على الفتح، وهو من مصطلحات الكوفيين في البناء. (٣) معاني القرآن للفرَّاء ٢/ ٢٦٣، وقد قرأ بالنصب عبيد اللَّه بن موسى وطلحة بن سليمان، ينظر: المحتسب ٢/ ١١٨، البحر المحيط ٦/ ٤٤٤. (٤) ينظر قوله في الكشف والبيان ٧/ ١٢٥، عين المعاني ٨٩/ ب، تفسير القرطبي ١٣/ ٨. (٥) البيت من مجزوء الكامل، لعبد اللَّه بن الزِّبَعْرَى، ويُرْوَى صدره: يا لَيْتَ بَعْلَكِ قد غَدا اللغة: تَقَلَّدَ السيفَ: احتمله، وفي الكلام حذف، والمعنى: متقلدًا سيفًا وحاملًا رمحًا؛ لأن الرمح لا يُتَقَلَّدُ وإنما يقال: اعتقلتُ الرمحَ، فهو محمول على المعنى لِما في التقلد من معنى الحمل، ويجوز أن يكون مفعولًا معه. التخريج: شعر عبد اللَّه بن الزبعرى ص ٦٨، معاني القرآن للفرَّاء ١/ ١٢١، ٤٧٣، ٣/ ١٢٣، =