ثم نَعَت اللَّهُ الصادقينَ في إيمانهم، فقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا (٥١)} يقولون: سَمِعنا قولَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأطَعْنا أمرَه، وإن كان ذلك فيما يكرهونَه ويَضُرُّهُم، ونَصْبُ القول على خبر {كَانَ}، واسمُها في قوله تعالى:{أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، ومن قَرأَ بالرَّفع (١) جَعَله اسمَ {كَانَ}، و {أَنْ يَقُولُوا} خبَره (٢).
ثم أَثْنى على من أطاعهما، فقال:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} قال ابن عباس: يريد: فيما ساءَهُ وسَرَّهُ {وَيَخْشَ اللَّهَ} في ذنوبه التي عملها {وَيَتَّقْهِ} فيما بَعْدُ، فلم يَعصِه {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)} شرطٌ وجزاء.
وعدَمُ الإشباع في هاءِ {وَيَتَّقْهِ} على نيّةِ ثبوتِ الياء، فإنّ الأصل: يتَّقيهِ، والجَزْم لأنّ الحركةَ والإشباع زائدتان، تقول العرب: هَذِهْ أَمةُ اللَّهِ: في الوصل (٣)، وجَزْمُ القافِ تَخْفِيفٌ، نحو: فَخْذٍ وفَخِذٍ (٤).
(١) قرأ برفع القول عَلِيُّ بنُ أبِي طالب والحسنُ بخلاف عنه وابن أبي إسحاف، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٠٤، المحتسب ٢/ ١١٥، ١١٦، تفسير القرطبي ١٢/ ٢٩٥، البحر المحيط ٦/ ٤٢٩، الإتحاف ٢/ ٣٠٠، ٣٠١. (٢) ذكر سيبويه أن اسم "كان" وخبرها إذا كانا معرفتين -كما هو هنا- فأنت بالخيار في جعل أحدهما اسمها والآخر خبرها، ينظر: الكتاب ١/ ٤٩، ٥٠، ولكن ابن جني قال: "أقوى القراءتين ما عليه الجماعة من نصب القول، وذلك أن في شرطِ اسم "كان" وخبرها أن يكون اسمها أعرف من خبر ها، وقوله تعالى: {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أَعْرَفُ من: {قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ}. المحتسب ٢/ ١١٥، ١١٦، وينظر: الكشاف ٣/ ٧٢، البحر المحيط ٦/ ٤٢٩. (٣) قال سيبويه: "إلا أن من العرب من يسكن هذه الهاء في الوصل، تشبيها بميم "عليهم" و"عليكم". . .، سمعت من يوثق بعربيته يقول: هَذِهْ أَمةُ اللَّه، فيُسَكِّنُ". الكتاب ٤/ ١٩٨، وينظر: الحجة للفارسي ٣/ ٢٠٣. (٤) ذكر سيبويه ذلك في باب ما يُسَكَّنُ استخفافًا، وهو في الأصل متحرك، وذكر أنه لغة بكر ابن وائل وأناس كثير من تميم. الكتاب ٤/ ١١٣، ١١٤، وينظر الحجة للفارسي ٣/ ٢٠٣.