رَأتْهُ المَرْأةُ قالتْ: مَرْحَبًا وَأهْلًا، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أين فلان؟ "، قالت: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنا من الماء (١)، إذْ جاء الأنصاريُّ، فنَظَرَ إلَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصاحبيه، ثم قال: الحمد للَّهِ، ما أحَدٌ أكْرَمُ أضْيافًا مِنِّي، قال: فانطلق فجاءهم بِعِذْقٍ فيه بُسْرٌ (٢) وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فقال: كُلُوا من هذه، وَأخَذَ المُدْيةَ، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إيّاكَ والحَلُوبَ"، فَذَبَحَ لهم شاةً، فَأكَلُوا منها ومن ذلك العِذْقِ وَشَرِبُوا، فلما أن شَبِعُوا وَرَوُوا قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبِي بكر وعمر:"والذي نَفْسِي بيَدِهِ لَتُسْألُنَّ عن هذا النَّعِيمِ يوم القيامة، إذْ أخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتكُم الجُوعُ، ثُمَّ لَم تَرْجِعُوا حتى أصابَكُمْ هذا النَّعِيمُ"، فقال عُمَرُ: إنّا لَمَسْؤولُونَ عن هذا النعيم يوم القيامة؟ قال:"نَعَمْ، إلّا مِنْ ثَلاثٍ: خِرْقةٍ يُوارِي بِها الرَّجُلُ عَوْرَتَهُ، أوْ كِسْرةٍ يَسُدُّ بِها جَوْعَتَهُ، أو جُحْرٍ يَدْخُلُ فيه من الحَرِّ والبَرْدِ"(٣).
وعن ثابتٍ البَنانِيِّ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال:"النَّعِيمُ المَسْؤولُ عنه يوم القيامة: كِسْرةٌ تُقَوِّيهِ، وَماءٌ يَرْوِيهِ، وَثَوْبٌ يُوارِيهِ"(٤)، واللَّه أعلم.
* * *
(١) يَسْتَعْذِبُ الماءَ: يَسْتَقِي لَهُمْ ماءً عَذْبًا. (٢) العِذْقُ: كُلُّ غُصْنٍ له شُعَبٌ، والعِذْقُ: النَّخْلةُ كُلُّها، والبُسْرُ: التَّمْرُ قَبْلَ أن يُرْطِبَ. (٣) رُوِيَ هذا الحديث عن ابن عباس أيضًا، رواه الترمذي في سننه ٤/ ١٣ أبواب الزهد: باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والحاكم في المستدرك ٤/ ١٣١ كتاب الأطعمة: باب حكاية إيثار الصحابِيِّ في الضيافة، وينظر: المعجم الكبير ١٩/ ٢٥١، ٢٥٣، ٢٥٦، جامع البيان ٣٠/ ٣٦٦ - ٣٦٧. (٤) ينظر: جامع البيان ٣٠/ ٣٦٩، الكشف والبيان ١٠/ ٢٨٢، الدر المنثور ٦/ ٣٨٨.