رضي اللَّه عنهم-، فانْحَرَفَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- انْحِرافةً، فَرَأى عُمَرُ أثَرَ الشَّرِيطِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَى، فقال له:"ما يُبْكِيكَ يا عُمَرُ؟ "، فقال: وَما لِيَ لا أبْكِي وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ يَعِيثانِ فيما يَعِيثانِ فيه من الدنيا وَأنْتَ على الحالِ الَّتِي أرَى؛ فقال له النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عُمَرُ، أما تَرْضَى أن تَكُونَ لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ "، قال: بلى، قال:"هو كذلك"(١).
ثم ذَكَرَ اللَّه تعالى نِعَمَهُ عليه، فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦)} يعني: وَجَدَكَ يتيمًا، لا كافِلَ لَكَ وَلَا مُرَبِّيَ، فآواكَ وَضَمَّكَ إلَى عَمِّكَ أبِي طالِبٍ، فَرَعاكَ وَغَذّاكَ وَعَطَفَ عليك، حتى فَضَّلَكَ على سائر ولده وأهله وأقاربه، مع مُخالَفَتِكَ لِدِينِهِ وَلآلِهَتِهِ.
{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)}؛ أي: فَهَداكَ إلَى دِينهِ الذي بَعَثَكَ به إلَى خَلْقِهِ، قال السُّدِّيُّ (٢): كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمْرِ قَوْمِهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، وقيل: وَجَدَكَ ضالًّا عن مَعالِمِ النُّبُوّةِ وأحكام الشريعة غافلا عنها، فَهَداكَ إليها، دليله ونظيره قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}(٣)، وقوله تعالَى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}(٤)، وهذا قول الضحاك (٥) وأختيار الزجاج (٦).
(١) رواه الإمام أحمد في المسند ٣/ ١٣٩، وأبو يعلى في مسنده ٥/ ١٦٧ - ١٦٨، والطبرانِيُّ في المعجم الكبير ٢/ ١٧٥. (٢) ينظر: جامع البيان ٣٠/ ٢٩٣، الكشف والبيان ١٠/ ٢٢٦، الكشاف ٤/ ٢٦٥. (٣) يوسف ٣. (٤) الشورى ٥٢. (٥) ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٢٢٦، الوسيط ٤/ ٥١١، زاد المسير ٩/ ١٥٨، القرطبي ٢٠/ ٩٦. (٦) معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٣٩، ٣٤٠.