قيل (١): لَمّا أنْزَلَ اللَّهُ تعالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)}، قال أبو جهل: ذلك إلينا، إنْ شِئْنا اسْتَقَمْنا، وَإنْ شِئْنا لَمْ نَسْتَقِمْ، فأنزل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} أعْلَمَهُمْ أنَّ المَشِيئةَ في التوفيق إليه، وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بِمَشِيئَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ.
رُوِيَ عن وَهْبِ بنِ مُنبِّهٍ أنه قال (٢): الكتب التي أنزلها اللَّه على الأنبياء بِضْعٌ وَتِسْعُونَ كِتابًا، قرأتُ منها بِضْعًا وَثَمانِينَ كِتابًا، فوجدتُ فيها:"مَنْ جَعَلَ إلَى نفسه شَيْئًا من المشيئة فقد كَفَرَ".
وهذا إعْلَامٌ أن الإنسان لا يقدر أن يعمل خَيْرًا إلّا بتوفيق اللَّه ومشيئته ونعمته، ولا شَرًّا إلّا بِخِذْلَانِهِ وَنِقْمَتِهِ، واللَّه أعلم.
* * *
(١) رواه الطبري عن سليمان بن موسى في جامع البيان ٣٠/ ١٠٥، وينظر: الكشف والبيان ١٠/ ١٤٣ - ١٤٤، أسباب النزول ص ٢٩٨، الوسيط ٤/ ٤٣٢، تفسير القرطبي ١٩/ ٢٤٣. (٢) ينظر قوله في الكشف والبيان ١٠/ ١٤٤، تفسير القرطبي ١٩/ ٢٤٣، اللباب في علوم الكتاب ٢٠/ ١٩٣.