وهذا الخطاب لأهل مكة، وهو أيضًا من جواب القسم، أقْسَمَ اللَّهُ أنَّ القرآن نَزَلَ به جبريلُ على محمدٍ وما تَقَوَّلَهُ، وكانوا يقولون: إنَّ محمَّدًا مجنون، وهذا الذي يَأْتِي به يَتَقَوَّلُهُ من نفسه.
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)}؛ أي: البَيِّنِ، يعني:"رَأى محمدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- جبريلَ عليه السّلام عند مَطْلِعِ الشمس، قد مَلأ الأُفُقَ، له ستمائة جناح، رِجْلَاهُ في الأرض، وَرَأْسُهُ في السماء، وَجَناحٌ له مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، وَجَناحٌ له مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ، فَفَزِعَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَتَحَوَّلَ جبريلُ عليه السّلام في صورة البشر، وَضَمَّهُ إلَى صَدْرِهِ، وقال: يا محمد! لا تَخَفْ، فكيف لو رَأيْتَ إسْرافِيلَ وَرَأْسُهُ فِي العَرْشِ وَرِجْلَاهُ فِي تُخُومِ السابعة السُّفْلَى؟ وَإنَّ العَرْشَ لَعَلَى كاهِلِهِ، وإنه لَيَتَواضَعُ أحيانًا مَخافةً من اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، حتى يَصِيرَ مِثْلَ الوَصْعِ -يعني العُصْفُورَ-، حتى ما يحمل عرش ربك إلّا عَظَمَتُهُ"(١).
قوله:{وَمَا هُوَ} محله رفع اسم "ما" النافية، يعني محمَّدًا عليه السّلام {عَلَى الْغَيْبِ}؛ أي: على الوَحْيِ وَخَبَرِ السماء {بِضَنِينٍ (٢٤)} قرأ زيدُ بنُ ثابِتٍ وابن عُمَرَ والحَسَنُ والأشْهَبُ والأعْمَشُ وَأهْلُ المدينةِ والشامِ وعاصمٌ وَحَمْزةُ بالضاد، ومعناه: بِبَخِيلٍ، يعني: أنه يَأْتِيهِ عِلْمُ الغَيْبِ ويُخْبِرُ به فَيُفْشِيهِ، ولا يَكْتُمُهُ كما يَكْتُمُ الكاهِنُ حَتَّى يَأْخُذَ عليه حُلْوانًا (٢)، تقول العرب: ضَنِنْتُ بالشيء