قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣)} يعني صَيْحةَ القيامة التي يَصُخُّ لَها كُلُّ شَيْءٍ؛ أي: يسمع، سُمِّيَتْ صاخّةً لأنها تَصُخُّ كُلَّ شَيْءٍ؛ أي: تَذْهَبُ به (١)، وقيل (٢): سُمِّيَتْ صاخّةً لأنها تَصُخُّ؛ أي: تَصمُّ، يقال: رَجُلٌ أصَخُّ وَأصْلَخُ: إذا كان لا يسمع.
ثم أعْلَمَ عبادَهُ متى ذلك، فقال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)} هابِيلُ من أخيه قابِيلَ، والنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من أُمِّهِ، وَإبْراهِيمُ من أبيهِ، وَلُوطٌ من امْرَأتِهِ، وَنُوحٌ من ابْنِهِ كَنْعانَ، مِنْ شِدّةِ أهوال يوم القيامة {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)} يقول: شَغَلَهُ عن حَمِيمِهِ وَقَرِيبِهِ وَذِي رَحِمِهِ، وأصل الإغْناءِ الكِفايةُ، قال ثَعْلَبٌ (٣): معناه: يَكْفِيهِ وَيَشْغَلُهُ ما هو فيه.
قال الفَرّاءُ (٤): وقرأ ابن مُحَيْصِنٍ والحَسَنُ: "يَعْنِيهِ"(٥) بالعين المهملة، وهو شاذٌّ، وقرأ العامة:{يُغْنِيهِ} بالغين المعجمة.
(١) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢١٠/ ب، ٢١١/ أ، وقال الزمخشري: "يقال: صَخَّ لحدِيثِهِ مثل: أصاخَ له، فَوُصِفَت النفخةُ بالصّاخّةِ مجازًا؛ لأن الناس يَصُخُّونَ لَها". الكشاف ٤/ ٢٢٠. (٢) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص ٥١٥، وينظر: تهذيب اللغة ٦/ ٥٥٢، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص ١٧٣. (٣) ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة ٢١٠/ ب، تهذيب اللغة ٨/ ٢٠٢. (٤) قال الفَرّاءُ: "وقد قرأ بعض القُرّاءِ: "يَعْنِيهِ"، وهي شاذةٌ". معانِي القرآن ٣/ ٢٣٨. (٥) وهذه قراءة الزُّهْرِيِّ وابنِ أبِي عَبْلةَ وحُمَيْدٍ وابنِ السَّمَيْفَعِ أيضًا، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٦٩، المحتسب ٢/ ٣٥٣، تفسير القرطبي ١٩/ ٢٢٥، البحر المحيط ٨/ ٤٢١.