{لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا} يُؤْذِيهِمْ حَرُّها، لأن الجنة نُورٌ لا يَحْتاجُونَ فيها إلَى شَمْسٍ تُنِيرُها {وَلَا زَمْهَرِيرًا (١٣)} ولا يُصِيبُهُمْ بَرْدُ الزَّمْهَرِيرِ؛ لأنه ليس فِي الجنة شِتاءٌ ولا صَيْفٌ، قال النبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الجَنّةُ سَجْسَجٌ، لا حَرَّ فيها ولا قُرَّ"(١).
قال الفَرّاءُ (٢): ونصب {مُتَّكِئِينَ} على القطع. وهو عند البصريين منصوب على الحال من الهاء والميم، والعامل فيه "جَزاهُمْ"، ولا يجوز أن يعمل فيه {صَبَرُوا}؛ لأن {مُتَّكِئِينَ} إنما هو في الجنة، والصبر في الدنيا (٣)، ويجوز أن يكون منصوبًا على أنه نعت للجنة (٤)، وذلك حَسَنٌ لأنه قد عاد الضمير عليها.
وقوله:{لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} القول فيه كالقول فِي {مُتَّكِئِينَ}، ويكون معناه: غَيْرَ رائِينَ (٥)، والزَّمْهَرِيرُ: البَرْدُ الشَّدِيدُ (٦)، وقيل (٧): هو القَمَرُ
(١) رواه ابن أبيِ شيبة بسنده عن عبد اللَّه في مصنفه ٨/ ٦٩، وينظر: شفاء الصدور ورقة ١٩٣/ أ، تفسير القرطبي ١٩/ ١٣٨، الدر المنثور ٦/ ٣٠٠. والسَّجْسَجُ: الهَواءُ المعتدل بَيْنَ الحَرِّ والبَرْدِ، ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة ١/ ١٢٧، النهاية لابن الأثير ٢/ ٣٤٣، اللسان: سجج. (٢) معانِي القرآن ٣/ ٢١٦، على أن الفراء والكوفيين يطلقون مصطلح القطع أحيانا ويريدون به الحال، وهذا هو الظاهر من كلام الفراء هنا، وينظر: مصطلحات النحو الكوفِيِّ ص ٥٧. (٣) من أول قوله: "وهو عند البصريين منصوب على الحال" قاله النحاس بنصه في إعراب القرآن ٥/ ١٠٠، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٣٨. (٤) هذا الوجه أجازه الفراء، فقد قال: "وَإنْ شئت جعلته تابعا لِلْجَنّةِ، كأنك قلت: جَزاهُمْ جَنّةً مُتَّكِئِينَ فيها". معانِي القرآن ٣/ ٢١٦، وأجازه النحاس أيضًا في إعراب القرآن ٥/ ١٠٠، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٣٨. (٥) قاله النحاس بنصه في إعراب القرآن ٥/ ١٠٠، وينظر: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٣٨. (٦) قاله مجاهد وقتادة، ذكره الطبري في جامع البيان ٢٩/ ٢٦٥، وحكاه الأزهري عن الليث في التهذيب ٦/ ٥٢٤، وينظر: الصحاح ٢/ ٦٧٢، الكشف والبيان ١٠/ ٩٨، الفريد ٤/ ٥٨٨. (٧) قاله أحمد بن يحيى، ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٩٨، الكشاف ٤/ ١٩٧، المحرر الوجيز ٥/ ٤١١، زاد المسير ٨/ ٤٣٥، تفسير القرطبي ١٩/ ١٣٨، البحر المحيط ٨/ ٣٨٤.