عليه السلام رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فقال: يا رَبِّ: أيُّ عِبادِكَ أفْقَرُ؟ فقال: صاحِبُ سَقَرَ" (١).
ثم ذَكَرَ عِظَمَ شأنها فقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧)} وقد تقدم القول فيه؛ لأنه مثل قوله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}(٢)، والجملة (٣) في موضع نصب بـ {أَدْرَاكَ}؛ لأن (٤) الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله (٥).
ثم أخبر عنها، فقال: {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨)}؛ أي: لا تُبْقِي أهْلَ النار إذا رَأتْهُمْ حَتَّى تَأْكُلَهُمْ وَلَا تَذَرُهُمْ، إذْ خُلِقُوا لَها حتى تُواقِعَهُمْ، وقيل: لا تُبْقِي مَنْ فيها حَيًّا، ولا تَذَرُ مَنْ فيها مَيْتًا، ولكنها تُحْرِقُهُمْ، كُلَّما أُحْرِقُوا جُدِّدَ خَلْقُهُمْ، ولكل شيء فَتْرةٌ وَمَلَالةٌ إلّا لِجَهَنَّمَ.
وقوله: {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)} يعني: لِلْخَلْقِ، ويجوز أن يكون جَمْعَ بَشَرةٍ أي: مُغَيِّرةٌ لِلْجُلُودِ (٦)، تقول العرب: لَاحَتْهُ الشَّمْسُ وَلَوَّحَتْهُ، ولَاحَهُ السُّقْمُ والحُزْنُ: إذا غَيَّرَهُ (٧)، قال ابن عباس:{لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ}: مُذْهِبةٌ لِلْحُسْنِ والبَهاءِ،
(١) ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٧٣، تاريخ دمشق ٦١/ ١٣٦، تفسير القرطبي ١٩/ ٧٧، كنز العمال ١٥/ ٩٠٠. (٢) الحاقة ٣، وينظر ما سبق ٤/ ٣٥ من هذا الكتاب. (٣) يعني جملة "ما سَقَرُ". (٤) في الأصل: "إلا أن". (٥) قاله النحاس في إعراب القرآن ٥/ ٦٩، ومعناه أن الفعل "أدْراكَ" يعمل النصب في الجملة المكونة من المبتدأ والخبر، ولا يعمل في "ما" وحدها؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٢١٣، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٠١ - ٤٠٢. (٦) قاله مجاهد وقتادة والزجاج، ينظر: معاني القرآن وإعرابه ٥/ ٢٤٧، زاد المسير ٨/ ٤٠٧، تفسير القرطبي ١٩/ ٧٨. (٧) قال ابن قتيبة: "يقال: لَاحَتْهُ الشُّمْسُ: إذا غَيَّرَتْهُ". غريب القرآن ص ٤٩٦، وحكاه الأزهري =