قوله: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)} قرأه العامّةُ بإظهار التضعيف، وقرأ أبو السَّمّالِ العَدَوِيُّ:{وَلَا تَمُنَّ}(١) بنون مدغمة مفتوحة {تَسْتَكْثِرُ}، وقرأ الحسن (٢) بالجزم على جواب النهي، وهو رَدِيءٌ؛ لأنه ليس بِجَوابٍ، وقرأ الأعمش بالنصب على توهم لام "كَيْ"، وقرأ الآخرون بالرفع على تقدير: لا تَضْعُفْ يا محمدُ أنْ تَسْتَكْثِرَ من الخَيْرِ، فلما حذفت "أنْ" رُفِعَ، ودليله قراءة ابن مسعود:{وَلَا تَمْنُنْ أنْ تَسْتَكْثِرَ}، ورفع لأنه فعل مستقبل في موضع الحال تقديره: مُسْتَكْثِرًا (٣).
ومعنى الآية: لَا تُعْطِ شيئًا من مالِكَ لِتَأْخُذَ أكْثَرَ منه (٤)، وقيل (٥): معناه: وَلَا تَمُنَّ بِالنُّبُوّةِ على الناس؛ فَتَأْخُذَ عليها منهم أجْرًا وَعِوَضًا من الدنيا، وهذا لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصّةً، أدَّبَهُ اللَّهُ تعالى بأشرف الآداب.
قوله: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧)} يُعَزِّي نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِيَصْبِرَ على الأذى والتكذيب من كفار مكة، والمعنى: لأجل اللَّه؛ أي: لأجل ثوابه فاصبر على البلاء، فإنه يَمْتَحِنُ أحِبّاءَهُ وأصْفِياءَهُ، وقيل: معناه: فاصبر على طاعة اللَّه وفرائضه.
(١) قرأ أبو السَّمّالِ والحَسَنُ والأشْهَبُ العُقَيْلِيُّ: {وَلَا تَمُنَّ}، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٦٤، تفسير القرطبي ١٩/ ٦٨، البحر المحيط ٨/ ٣٦٤. (٢) قرأ الحَسَنُ وابن أبِي عَبْلةَ: {تَسْتَكْثِرْ} بالجزم، وقرأه الأعمش والحسن ويحيى بن وثاب بالنصب، وقرأ ابن مسعود: {أنْ تَسْتَكْثِرَ}، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٦٤، المحتسب ٢/ ٢٣٧، تفسير القرطبي ١٩/ ٦٩، البحر المحيط ٨/ ٣٦٤. (٣) قاله المبرد في الكامل ١/ ٢٨٦، وينظر: إعراب القرآن ٥/ ٦٦، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٢٣. (٤) قاله الفراء وابن قتيبة، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٢٠١، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٤٩٦، وحكاه الطبري عن ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة في جامع البيان ٢٩/ ١٨٥، ١٨٦، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٢٤٥، تفسير القرطبي ١٩/ ٦٧. (٥) قاله ابن زيد، ذكره الطبري في جامع البيان ٢٩/ ١٨٧، ورَجَّحَهُ النحاسُ في إعراب القرآن ٥/ ٦٦، وينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٧٠، زاد المسير ٨/ ٤٠٢.