وقيل: سبعة من جِنِّ نَصِيبِينَ اسْتَمَعُوا قِراءةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد تقدم ذِكْرُهُمْ في سورة الأحقاف (١).
و"أنَّ" فِي موضع رفع لأنه مفعولُ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ لـ {أُوحِيَ}(٢)، {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١)} بَلِيغًا، والمعنى: قُرْآنًا ذا عَجَبٍ يُعْجَبُ منه لِبَلَاغَتِهِ {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} يدعو إلَى الصواب من التوحيد والإيمان وترك الشرك والعصيان، ويَحُثُّ على طاعة الرحمن، {فَآمَنَّا بِهِ} يعني بذلك القرآن {وَلَنْ نُشْرِكَ}؛ أي: نَعْدِلَ {بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)} مِنْ إنْسٍ ولا جانٍّ {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}؛ أي: عَظَمةُ رَبِّنا وجَلَالُهُ {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً} زوجةً {وَلَا وَلَدًا (٣)}.
قرأ أهل الشام والكوفة إلا أبا بكر:{وَأَنَّهُ} بفتح الهمزة من "أنَّهُ" و"أنّا" في اثني عشر موضعًا متواليةً، أولها:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}، وآخرها:{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ}(٣)، وفَتَحَ أبو جعفر ما كان مردودًا على الوحي، وكَسَرَ ما كان حكايةً عن الجِنِّ، وكَسَرَها كُلَّها الباقون (٤)، فمن فَتَحَ فهو معطوف على {أَنَّهُ اسْتَمَعَ}، أو على تقدير: وَآمَنّا أنَّهُ، ومَنْ كَسَرَ فعلى الاستئناف.
رَوَى عكرمةُ:{جَدُّ رَبِّنَا} مهو بكسر الجيم على ضِدِّ الهَزْلِ، وقرأ ابن السَّمَيْفَعِ:"جَدَى رَبِّنا"(٥)، وهو الجَدْوَى والمنفعة، ومعنى الجَدِّ فِي اللغة:
(١) في الآيهَ ٢٩، ينظر ٣/ ٤٥. (٢) يعني أنه نائب فاعل لـ "أُوحِيَ". (٣) الجن ١٤. (٤) ينظر: السبعة ص ٦٥٦، معانِي القراءات ٣/ ٩٦ - ٩٧، إعراب القراءات السبع ٢/ ٤٠٠، ٤٠١، الحجة للفارسي ٤/ ٦٨، ٦٩، الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ٣٣٩، ٣٤١، عين المعانِي ورقة ١٣٨/ أ، البحر المحيط ٨/ ٣٤٠. (٥) قرأ عكرمة وأبو حَيْوةَ وابن السَّمَيْفَعِ: "جِدُّ رَبِّنا" بكسر الجيم، وقرأ ابن السَّمَيْفَعِ والأشْهَبُ =