قال عبد اللَّه بن مسعود (٢): بَلَغَنِي أن القوم لَمّا أخْلَصُوا، وعَرَفَ اللَّهُ عزّ وجلّ منهم الصِّدْقَ، أبْدَلَهُمْ بِها جَنّةً يقال لَها: الحَيَوانُ، فيها عِنَبٌ لا يَحْمِلُ البَغْلُ العُنْقُودَ منها، فهو كالرَّجُلِ الأسْوَدِ القائِمِ.
قوله تعالى:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يعني: في الآخرة {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} يعني البساتين {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥)} هذه ألِفُ الاستفهام، ومعناها التوبيخ والتقرير {مَا لَكُمْ} يعني كفار مكة {كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)}؛ أي: كَيْفَ تَقْضُونَ بِالجَوْرِ؟ إن هذا الحُكْمَ لَجَوْرٌ، أنْ يُعْطَوْا من الخَيْرِ في الآخرة ما يُعْطَى المسلمون، و {مَا} في موضع رفع بالابتداء، وهو اسمٌ تامٌّ، و {لَكُمْ} الخبر، و {كَيْفَ} في موضع نصب بـ {تَحْكُمُونَ}.
قوله تعالى:{سَلْهُمْ} يا محمد {أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠)}؛ أي: أيُّهُمْ بذلك كَفِيلٌ أنَّ لَهُمْ في الآخرة ما للمسلمين؟، والزَّعِيمُ: الكَفِيلُ، قال عليه السلام:
(١) مِمَّنْ فَرَّقَ بين بَدَّلَ وأبْدَلَ: الفراءُ وثعلبٌ، قال الفراء: "وإذا قلتَ للرَّجُلِ: قد بُدِّلْتَ، فمعناه: غُيِّرْتَ وغُيِّرَتْ حالُكَ، ولَمْ يأتِ مكانك آخَرُ، فكل ما غُيِّرَ عن حاله فهو مُبَدَّلٌ بالتشديد، وإذا جعلتَ الشيءَ مكان الشيء قلتَ: قد أبْدَلْتُهُ، كقولك: أبْدِلْ لِي هذا الدرهمَ؛ أي: أعطني مكانه". معانِي القرآن ٢/ ٢٥٩، وينظر قول ثعلب في ياقوتة الصراط ص ٢٥١ - ٢٥٢، التهذيب ١٤/ ١٣٢. وأما المبرد فإنه يرى أن العرب تستعمل بَدَّلَ وأبْدَلَ بمعنًى واحدٍ، ينظر قوله في ياقوتة الصراط ص ٢٥٣، التهذيب ١٤/ ١٣٢، وينظر أيضًا: معانِي القراءات ٢/ ١٩١، الحجة للفارسي ٣/ ٩٨، ٩٩، الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ٧٢. (٢) ينظر قوله في الكشف والبيان ١٠/ ١٨، عين المعانِي ورقة ١٣٦/ ب، تفسير القرطبي ١٨/ ٢٤٥.