قوله:{وَلَا يَكُونُوا}؛ أي: وألَّا يَكُونُوا، محله نصب بالعطف على {تَخْشَعَ}، قال الأخفش (١): وإن شِئْتَ جَعَلْتَهُ نَهْيًا، ودليل هذا التأويل روايةُ رُويسٍ عن يعقوب:{وَلَا تَكُونُوا} بالتاء (٢){كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} وهم اليهود والنصارى {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} يعني الزمان والدهر والغاية بينهم وبين أنبيائهم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} قال ابن عباس (٣): مالُوا إلى الدنيا، وأعْرَضُوا عن مَواعِظِ اللَّهِ.
والمعنى أنه يَنْهَى المؤمنين أن يكونوا في صُحْبةِ القُرْآنِ كاليهود والنصارى الذين قَسَتْ قُلُوبُهُمْ لَمّا طالَ عليهم الدهرُ {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦)} يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمدٍ -عليهما أفضل التحية والسلام-، قال محمد بن كعب القُرَظِيُّ (٤): كانت الصحابة في مكة مُجْدِبِينَ، فلما هاجَرُوا -يعني: إلى المدينة- أصابُوا الرِّيفَ والنِّعْمةَ، فَفَتَرُوا عَمّا كانوا عليه، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، فينبغي للمؤمن أن يَزْدادَ إيمانًا ويقينًا وإخلاصًا فِي طُولِ صُحْبةِ الكِتابِ.
= القراءات ٣/ ٥٥، الحجة للفارسي ٤/ ٣٠، البحر المحيط ٨/ ٢٢٢، النشر ٢/ ٣٨٤، الإتحاف ٢/ ٥٢٢. (١) ينظر قوله في الكشف والبيان ٩/ ٢٤٥. قال النحاس: {يَكُونُوا} في موضع نصب معطوف على {تَخْشَعَ}؛ أي: وَألّا يَكُونُوا، ويجوز أن تكون في موضع جزم، والأوَّلُ أوْلَى لأنها واو عطف، ولا يُقْطَعُ ما بعدها مِمّا قبلها إلّا بدليل". إعراب القرآن ٤/ ٣٦٠. (٢) وقرأ بالتاء أيضًا: عيسى بنُ عمر وابنُ أبِي إسحاق وأبو حَيْوةَ وابنُ أبِي عَبْلةَ، وإسماعيلُ عن أبِي جعفرٍ، وسليمٌ عن حمزةَ، ينظر: تفسير القرطبي ١٧/ ٢٤٩، البحر المحيط ٨/ ٢٢٢، النشر ٢/ ٣٨٤. (٣) ينظر قوله في الوسيط ٤/ ٢٥٠، اللباب في علوم الكتاب ١٨/ ٤٨٢. (٤) ينظر قوله في الكشف والبيان ٩/ ٢٤١، الوسيط ٤/ ٢٥٠، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٥٠.