وقيل: تُسَلِّمُ عليهم الملائكةُ، وفِي نصبهما وجهان (١)، أحدهما: إتْباعٌ لِلْقِيلِ؛ أي: لَكِنْ يقولون قِيلًا سَلامًا، والثانِي: بإضمار فِعْلٍ؛ أي: بل يَسْمَعُونَ سَلَامًا، وقيل: هما منصوبان على المصدر (٢)، وقيل (٣): على الاستثناء و {سَلَامًا} يكون نعتًا لقِيلٍ؛ أي: إلّا قِيلًا يُسْلَمُ فيه من الصِّياحِ والصَّخَبِ وما يُؤْثَمُ فيه.
ثم رجع إلى ذِكْرِ منازل أصحاب الميمنة، فقال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧)}؛ أي: ماذا لهم؟ وما أعَدَّ اللَّهُ لهم من الكرامة؟ وفِي معنى أصحب اليمين ثلاثة أقوال (٤)، أحدها: أنه قيل لهم: أصحاب اليمين لأنهم أُعْطُوا كُتُبَهُمْ بأيْمانِهِمْ، والثانِي: لأنه يُؤْخَذُ بهم يوم القيامة ذاتَ اليَمِينِ، وذلك أمارةُ مَنْ نَجا، والثالث: أنهم الذين أقسم اللَّه تعالى أن يُدْخِلَهُم الجنةَ.
وقوله: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨)} يعني: لا شَوْكَ فيه، قد خُضِدَ شَوْكُهُ؛ أي: قُطِعَ (٥)، قال أُمَيّةُ بن أبِي الصَّلْتِ فِي وصف الجنة:
(١) كتب فوق هذه الكلمة في الأصل: "أربعة أوجه". (٢) هذه الأقوال إنما هي في نصب "قِيلًا"، لا في نصب "سَلامًا سَلامًا"، ينظر في هذه الأوجه: معانِي القرآن للفراء ٣/ ١٢٤، معانِي القرآن للأخفش ص ٤٩١، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١١٢، إعراب القرآن ٤/ ٣٣٠، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٥٢. (٣) ذكره النحاس بغير عزو في إعراب القرآن ٤/ ٣٣٠. (٤) هذه الأقوال الثلاثة ذكرها النحاس في إعراب القرآن ٤/ ٣٣١ وبهذا النص الذي ذكره الجبلي، وينظر أيضًا: زاد المسير ٨/ ١٣٢، تفسير القرطبي ١٧/ ١٩٨. (٥) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص ٤٤٧، وينظر: تهذيب اللغة ٧/ ٩٨. (٦) البيت من الكامل. اللغة: الكَواعِبُ: جمع كاعِبٍ، وهي الجارية التي نَهَدَ ثَدْيُها، السِّدْرُ: شَجَرُ النَّبْقِ، والبَرِّيُّ منه ذو شَوْكٍ. =