الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}، خَرَّ مَغْشِيًّا عليه حتى فَرَغْنا من الصلاة، فلما كان بعد ذلك قلنا له: يا عَلِيُّ: أما سَمِعْتَ الإمامَ يقول: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}؟ قال: شَغَلَنِي عنها: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}(١).
وكُلُّ ما ذَكَرَ اللَّهُ تعالى من قوله:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} إلى قوله: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} مَواعِظُ ومَزاجِرُ وتَهَدُّدٌ وتَخْوِيفٌ، وهي كلها نعمة من اللَّه تعالى لِلانْزِجارِ به عن المعاصي، ولذلك ختم كل آية بقوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}(٢).
ثم أعْلَمَ ما لِمَنِ اتَّقاهُ وخافه بقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)} يعني منامه بين يَدَيْ رَبِّهِ للحساب، نظيرها قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (٣).
قيل (٤): نزلت هذه الآية في أبِي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، ومعنى قوله:"جَنَّتانِ"؛ أي: بُسْتانانِ من الياقوت الأحمر والزُّمُرُّدِ الأخضر، تُرابُهُما الكافور والعَنْبَرُ، وحَمْأتُهُما المِسْكُ الأذْفَرُ (٥)، كل بستان منهما مسيرة مائة عام، في وسط كل بستان دار من نور، وقال مقاتل: هما جَنّةُ عَدْنٍ وجَنّةُ النَّعِيمِ، وقال