الكفر من الأمم الماضية {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)}؛ مُتَّعِظٍ يَعْلَمُ أن تلك حَقٌّ فَيَخافُ ويَعْتَبِرُ.
ثم أخْبَرَ أن جميع ما فَعَلَتْهُ الأممُ قبلهم كان مكتوبًا عليهم فقال تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)} مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الخَلْقِ والأعمال {مُسْتَطَرٌ (٥٣)} مكتوب على فاعليه قبل أن يفعلوه.
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ}؛ أي: بساتين {وَنَهَرٍ (٥٤)} أراد أنهار الجنة من الماءِ والخمر واللبن والعسل، وإنّما وُحِّدَ لأجْلِ رُؤُوسِ الآيِ، كقوله:{وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}(١)، ولفظ الواحد يُؤَدِّي عن الجميع، وقرأ الأعرج وطلحة:"وَنُهُرٍ"(٢) بضمتَيْنِ، كأنه جَمْعُ نَهارٍ (٣) -ولا لَيْلَ لَهُمْ-، قال الفراء (٤):
(١) القمر ٤٥. (٢) قرأ الأعرج وابن محيصن وزهيرٌ الفُرْقُبِيُّ والأعمش وأبو نُهَيْكٍ وأبو مِجْلَزٍ واليَمانِيُّ: "وَنُهُرٍ" بضمتين، وقرأ الأعرج أيضًا: "وَنَهْرٍ". ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٤٩، المحتسب ٢/ ٣٠٠، ٣٠١، الكشف والبيان ٩/ ١٧٤، تفسير القرطبي ١٧/ ١٥٠، البحر المحيط ٨/ ١٨٢. (٣) قاله الفراء والأزهري، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ١١١، تهذيب اللغة ٦/ ٢٧٦، وقال الجوهوي: "النهارُ: ضد الليل، ولا يُجْمَعُ كما لا يُجْمَعُ العَذابُ والسَّرابُ، فإن جمعته قلت في قليله: نُهُرٌ مثل سَحاب وسُحُبٍ، وأنشد ابن كيسان: لَوْلَا الثَّرِيدانِ هَلَكْنا بِالضُّمُرْ ثَرِيدُ لَيْلٍ وَثَرِيدٌ بِالنُّهُرْ الصحاح ٢/ ٨٣٩ - ٨٤٠، وقال ابن سيده: "والجمع أنْهِرةٌ عن ابن الأعرابِيِّ، ونُهُرٌ عن غيره". المحكم والمحيط الأعظم ٤/ ٢١٧، وينظر: الكشف والبيان ٩/ ١٧٤، المحرر الوجيز ٥/ ٢٢٢، عين المعانِي ورقة ١٢٩/ ب، البحر المحيط ٨/ ١٨٢. (٤) معانِي القرآن ٣/ ١١١.