بالفتح يعني: بِأنِّي، وقرأ بعض القراء:"إنِّي" بالكسر (١)؛ لأن الدعاء قول فِي المعنى.
قوله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)} يعني: مُنْصَبًّا كثيرًا شديدَ الانْصِبابِ، لا ينقطع أربعين يومًا، يقال: هَمَرْتُ الماءَ فانْهَمَرَ؛ أي: فانْصَبَّ، ويقال: هَمَرَ الرَّجُلُ: إذا أكْثَرَ من الكلام وأسْرَعَ (٢)، ويقال: المُنْهَمِرُ: الماء السائل، قرأ ابن عامر:{فَفَتَّحْنا} بالتشديد (٣)، وقرأ الباقون بالتخفيف.
{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} جمع عَيْنٍ، يعني يوم الطُّوفانِ، وذلك أن اللَّه أرسل من السماء ماءً كأفواه القِرَبِ في أربعين يومًا وأربعين ليلة، وانفتحت الأرض بعيونٍ من الماء حتى اجتمع الماءان، وهو قوله تعالى:{فَالْتَقَى الْمَاءُ} ماء الأرض وماء السماء {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)}؛ أي: قُضِيَ عليهم في أُمِّ الكتاب،
(١) هذه قراءة ابن أبِي إسحاق وعيسى بن عمر والأعمش وزيد بن عَلِيٍّ، ورُوِيتْ عن عاصم، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٤٨، البحر المحيط ٨/ ١٧٥، قال سيبويه: "وقال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، إنما أراد: بِأنِّي مغلوب وبِأنِّي لكم نذير مبين، ولكنه حذف الباءَ". الكتاب ٣/ ١٢٧، ثم قال سيبويه: "وكان عيسى يقرأ هذا الحرف: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، أراد أن يحكي كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} كأنه قال، واللَّه اعلم: قالوا: ما نعبدهم". الكتاب ٣/ ١٤٣، وينظر أيضًا: معاني القرآن وإعرابه ٥/ ٨٧، الأصول ١/ ٢٦٢، ٢٦٣، إعراب القرآن ٤/ ٢٨٨. (٢) قاله ابن قتيبة والنقاش، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص ٤٣١، شفاء الصدور ورقة ٧٨/ ب، ٧٩/ أ، وينظر: غريب القرآن للسجستانِي ص ١٥٠، اللسان: همر. (٣) قرأ بالتشديد أيضًا: ابنُ عامر وأبو جعفر ورَوْحٌ، ورُويَسٌ من طريق النحاس، وابنُ وَرْدانَ وابنُ جَمّازٍ والأعرجُ ويعقوبُ، ينظر: السبعة ص ٦١٨، البحر المحيط ٨/ ١٧٥، النشر ٢/ ٢٥٨، الإتحاف ٢/ ٥٠٦.